ومنهم من خالجهم خاطر الإِيمان فترددوا وقاربوا أن يؤمنوا ثم نكصوا على أعقابهم فشابه أول حالهم حَالَ المؤمنين حين خطور الإِيمان في قلوبهم.
ومنهم من أظهروا الإِيمان كذباً وهذا هو الفريق الأكثر.
وليس ما أظهروه في شيء من الإِيمان وقد قال الله تعالى في مثلهم :﴿ وكفروا بعد إسلامهم ﴾ [ التوبة : ٧٤ ] فسمّاه إسلاماً ولم يسمِّه إيماناً.
ومنهم الذين قال الله تعالى فيهم :﴿ قالت الأعراب آمنَّا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ﴾ [ الحجرات : ١٤ ].
وإطلاق اسم الإِيمان على مثل هذا الفريق مجاز بعلاقة الصورة وهو كإسناد فعل ﴿ يحذر ﴾ في قوله تعالى :﴿ يحذر المنافقون أن تنزل عليهم ﴾ سورة الآية، في سورة [ براءة : ٦٤ ].
وعلى هذا الاعتبار يجوز أن يكون ثُمّ } مستعملاً في معنييه الأصلي والمجازي على ما يناسب محمل فعل ﴿ آمنوا ﴾.
ولو حمل المنافقون على واحد معيَّن وهو عبد الله بنُ أبُيّ جاز أن يكون ابن أُبَيّ آمن ثم كفر فيكون إسناد ﴿ آمنوا ﴾ حقيقة وتكون ﴿ ثم ﴾ للتراخي في الزمان.
وتفريع ﴿ فهم لا يفقهون ﴾ على قوله :﴿ آمنوا ثم كفروا ﴾، فصار كفرهم بعد الإِيمان على الوجوه السابقة سبباً في سوء أعمالهم بمقتضى باء السببية، وسبباً في انتفاء إدراكهم الحقائق النظرية بمقتضى فَاء التفريع.
والفقه : فهم للحقائق الخفية.
والمعنى : أنهم لا يدركون دلائل الإِيمان حتى يعلموا حقّيته. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٢٨ صـ ﴾