بإسكان باء أشرب، وقرأ زيد بن عليّ، والشعبي، ويعقوب، ونصر، وابن أبي إسحاق، والجحدري :( نجمعكم ) بالنون، ومعنى ﴿ لِيَوْمِ الجمع ﴾ : ليوم القيامة، فإنه يجمع فيه أهل المحشر للجزاء، ويجمع فيه بين كل عامل وعمله، وبين كل نبيّ وأمته، وبين كل مظلوم وظالمه ﴿ ذَلِكَ يَوْمُ التغابن ﴾ يعني : أن يوم القيامة هو يوم التغابن، وذلك أنه يغبن فيه بعض أهل المحشر بعضاً، فيغبن فيه أهل الحق أهل الباطل، ويغبن فيه أهل الإيمان أهل الكفر، وأهل الطاعة أهل المعصية، ولا غبن أعظم من غبن أهل الجنة أهل النار عند دخول هؤلاء الجنة وهؤلاء النار، فنزلوا منازلهم التي كانوا سينزلونها لو لم يفعلوا ما يوجب النار، فكأن أهل النار استبدلوا الخير بالشرّ، والجيد بالرديء، والنعيم بالعذاب، وأهل الجنة على العكس من ذلك.
يقال : غبنت فلاناً إذا بايعته، أو شاريته فكان النقص عليه والغلبة، كذا قال المفسرون، فالمغبون من غبن أهله ومنازله في الجنة ﴿ وَمَن يُؤْمِن بالله وَيَعْمَلْ صالحا نكْفُر عَنْهُ سيئاته ﴾ أي : من وقع منه التصديق مع العمل الصالح استحق تكفير سيئاته، قرأ الجمهور :( يكفر ) و ( يدخله ) بالتحتية، وقرأ نافع، وابن عامر بالنون فيهما، وانتصاب ﴿ خالدين فِيهَا أَبَداً ﴾ على أنها حال مقدّرة، والإشارة بقوله :﴿ ذلك ﴾ إلى ما ذكر من التكفير والإدخال، وهو مبتدأ، وخبره ﴿ الفوز العظيم ﴾ أي : الظفر الذي لا يساويه ظفر.
﴿ والذين كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بئاياتنا أُوْلَئِكَ أصحاب النار خالدين فِيهَا وَبِئْسَ المصير ﴾ المراد بالآيات : إما التنزيلية أو ما هو أعم منها.
ذكر سبحانه حال السعداء، وحال الأشقياء هاهنا لبيان ما تقدم من التغابن، وأنه سيكون بسبب التكفير، وإدخال الجنة للطائفة الأولى، وبسبب إدخال الطائفة الثانية النار، وخلودهم فيها.


الصفحة التالية
Icon