وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير رحمه الله تعالى : لما بسط في السورتين قبل من حال من حمل التوراة من بني إسرائيل ثم لم يحملها، وحال المنافقين المتظاهرين بالإسلام، وقلوبهم كفرا وعناداً متكاثفة الإظلام، وبين خروج الطائفتين عن سواء السبيل المستقيم، وتنكبهم عن هدى الدين القويم، وأوهم ذكر اتصافهم بمتحد أوصافهم خصوصهم في الكفر بوسم الانفراد وسماً ينبىء عن عظيم ذلك الإبعاد، سوى ما تناول غيرهم من أحزاب الكفار، فأنبأ تعالى عن أن الخلق بجملتهم وإن تشعبت الفرق وافترقت الطرق راجعون بحكم السوابق إلى طريقين فقال تعالى ﴿هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن﴾ [ التغابن : ٢ ] وقد أوضحنا الدلائل أن المؤمنين على درجات، وأهل الكفر ذو طبقات، وأهل النفاق أدونهم حالاً وأسوأهم كفراً وضلالاً " إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار " وافتتحت السورة بالتنزيه لعظيم مرتكب المنافقين في جهلهم ولو لم تنطو سورة المنافقين من عظيم مرتكبهم إلا على ما حكاه تعالى من قولهم ﴿لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل﴾ [ المنافقين : ٨ ] وقد أشار قوله تعالى ﴿يعلم ما في السماوات وما في الأرض ويعلم ما تسرون وما تعلنون والله عليم بذات الصدور﴾ [ التغابن : ٤ ] إلى ما قبله وبعده من الآيات إلى سوء جهل المنافقين وعظيم حرمانهم في قولهم بألسنتهم مما لم تنطو عليه قلوبهم ﴿والله يشهد أن المنافقين لكاذبون﴾ [ المنافقين : ١ ] واتخاذهم أيمانهم جنة وصدهم عن سبيل الله إلى ما وصفهم سبحانه به، فافتتح سبحانه وتعالى سورة التغابن بتنزيهه عما توهموه من مرتكباتهم التي لا تخفى عليه سبحانه ﴿ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم﴾ [ التوبة : ٧٨ ] ثم قال تعالى :﴿ويعلم ما تسرون وما تعلنون﴾ [ التغابن : ٤ ] فقرع ووبخ في عدة آيات ثم أشار إلى ما منعهم من تأمل الآيات، وصدهم عن اعتبار المعجزات، وأنه الكبر المهلك غيرهم، فقال تعالى مخبراً عن