مركوز في الطبائع لا يجهله أحد، ولكن الخلق أعرضوا عنه بما هم فيه من القواطع، فصار مما لا يخطر بإنكارهم، فصار بحيث لا تستقل به عقولهم، ولكنهم إذا ذكروا به وأوضحت لهم هذه القواطع التي أشار سبحانه إليها وجردوا النفس عن الحظوظ والمرور مع الألف عدوه كلهم من الضروريات، وعلم ن تسبيبه تقسيمهم هذا عن تقديره وجوب الإيمان بالقدر خيره وشره.
ولما كان التقدير : فالذي أبدعكم وحملكم على ذلك وفاوت بينكم على كل شيء قدير، عطف عليه قوله تعالى :﴿والله﴾ أي الذي له الإحاطة الكاملة بفعله ذلك، وقدم الجار لا للتخصيص بل إشارة إلى مزيد الأعتناء كما تقول لمن سألك : هل تعرف كذا، وظهر منه التوقف في علمك له : نعم أعرفه ولا أعرف غيره، فقال :﴿بما تعملون﴾ أي توقعون عمله كسباً ﴿بصير﴾ أي بالغ العلم بذلك، فهو الذي خلق جميع أعمالكم التي نسب كسبها إليكم، وهو خالق جميع الاستعدادات والصفات كما خلق الذوات خلافاً للقدرية لأنه لا يتصور أن يخلق الخالق ما لا يعلمه، ولو سئل الإنسان كم مشى في يومه من خطوة لم يدر، فيكف لو سئل أين موضع مشيه ومتى زمانه فكيف وإنه ليمشي أكثر مشيه وهو غافل عنه، ومن جهل أفعاله كماً وكيفاً وأيناً وغير ذلك لم يكن خالقاً لها بوجه.