ولما كان أهل الطبائع يقولون : إن الأفلاك لها تأثير بحسب الذات والطبع، قال نافياً لذلك مذكراً بنعمته لتشكر :﴿وصوركم﴾ أي أيها المخاطبون على صور لا توافق شيئاً من صور العلويات ولا السفليات ولا فيها صورة توافق الأخرى من كل وجه ﴿فأحسن صوركم﴾ فجعلها أحسن صور الحيوانات كلها كما هو مشاهد في الدنيا وكذا في الآخرة خلافاً لأهل التناسخ مع أن وضعها في نفسها أحسن الأوضاع، لو غير شيء منها عن مكانه إلى شيء مما نعلمه فحصلت البشاعة به مع تفضيل الآدمي بتزيينه بصفوة أوصاف الكائنات وجعل سبحانه أعضاء متصرفة بكل ما يتصرف به أعضاء سائر الحيوان مع زيادات اختص بها الآدمي إلى حسن الوجه وجمال الجوارح، فهو أحسن بالنسبة إلى النوع من حيث هو هو، وبالنسبة إلى الأفراد في نفس الأمر وإن كان بعضها أحسن من بعض، فقبح القبيح منه إنما هو بالنسبة إلى أحسن منه، ولذا قال الحكماء، شيئان لا غاية لهما : الجمال والبيان، فخلق الانسان في أحسن تقويم لا ينفي أن يكون للنوع الذي جعل أحسن أفراد أنواع لما فوقه من الجنس، لا نهاية لأحسنية بعضها بالنسبة إلى بعض يشاهد ما وجد من أفراد نوعه من الذوات فقدرة الله لا تتناهى، فإياك أن تصغي لما وقع في كتب الإمام الغزالي أنه ليس في الإمكان أبدع مما كان، وإن كان قد علم أنه اعترض عليه في ذلك وأجاب عنه في الكتاب الذي أجاب فيه عن أشياء اعترض عليه فيها فإنه لا عبرة بذلك الجواب أيضاً، فإن ذلك ينحل إلى أنه سبحانه وتعالى لا يقدر على أن يخلق أحسن من هذا العالم، وهذا لا يقوله أحد، وهو لا ينقص مقدار الغزالي فإن كل أحد يؤخذ من كلامه ويرد كما قال الإمام مالك ـ رضى الله عنه ـ، وعزاه الغزالي بنفسه إلى ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ، وقال الإمام الشافعي ـ رضى الله عنه ـ وأرضاه : صنفت هذه الكتاب وما ألوت فيها جهداً وإني لأعلم أن فيها الخطأ لأن الله تعالى يقول :
﴿ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً﴾ [ النساء : ٨٢ ].
ولما كان التقدير : فكان منه سبحانه المبدأ، عطف عليه قوله :﴿وإليه﴾ أي وحده ﴿المصير﴾ أي بعد البعث بعين القدرة التي قدر بها على البدأة فمن كان على الفطرة الأولى لم يغيرها أدخله الجنة، ومن كان قد أفسدها فجعل روحه نفساً بما طبعها به من حيث جسده أدخله النار، وفي الدنيا أيضاً بانفراده بالتدبير، فلا يكون من الملك والسوقة إلا ما يريد، لا ما يريد ذلك المريد الفاعل. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٨ صـ ٣ ـ ٨﴾