ذكر الطَّبَري : وحدّثني يونس بن عبد الأعلى قال أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله تعالى :﴿ يا أيها الذين آمَنُواْ اتقوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾ قال : جاء أمر شديد، قالوا : ومنَ يعرف قدر هذا أو يبلغه؟ فلما عرف الله أنه قد اشتد ذلك عليهم نسخها عنهم وجاء بهذه الآية الأخرى فقال :﴿ فاتقوا الله مَا استطعتم ﴾.
وقيل : هي محكمة لا نسخ فيها.
وقال ابن عباس : قوله تعالى :﴿ اتقوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾ إنها لم تنسخ، ولكن حق تقاته أن يجاهد لله حَق جهاده، ولا يأخذهم في الله لومة لائم، ويقوموا لله بالقسط ولو على أنفسهم وآبائهم وأبنائهم.
وقد تقدم.
الثانية : فإن قيل : فإذا كانت هذه الآية محكمة غير منسوخة فما وجه قوله في سورة "التغابن" :﴿ فاتقوا الله مَا استطعتم ﴾ وكيف يجوز اجتماع الأمر باتقاء الله حقّ تُقاته، والأمر باتقائه ما استطعنا.
والأمر باتقائه حقّ تقاته إيجاب القرآن بغير خصوص ولا وصل بشرط، والأمر باتقائه ما استطعنا امرٌ باتقائه موصولاً بشرط.
قيل له : قوله :﴿ فاتقوا الله مَا استطعتم ﴾ بمعزل مما دل عليه قوله تعالى :﴿ اتقوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾ وإنما عنى بقوله :﴿ فاتقوا الله مَا استطعتم ﴾ فاتقوا الله أيها الناس وراقبوه فيما جُعل فتنة لكم من أموالكم وأولادكم أن تغلبكم فتنتهم، وتصدّكم عن الواجب لله عليكم من الهجرة من أرض الكفر إلى أرض الإسلام ؛ فتتركوا الهجرة ما استطعتم ؛ بمعنى وأنتم للهجرة مستطيعين.
وذلك أن الله جل ثناؤه قد كان عَذَر من لم يقدر على الهجرة بتركها بقوله تعالى :﴿ إِنَّ الذين تَوَفَّاهُمُ الملائكة ظالمي أَنْفُسِهِمْ إلى قوله فأولئك عَسَى الله أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ ﴾ [ النساء : ٩٧-٩٩ ].