والإِخبار عن بعض الأزواج والأولاد بأنهم عدوٌّ يجوز أن يحمل على الحقيقة فإن بعضهم قد يضمر عداوة لزوجه وبعضهم لأبويه من جراء المعاملة بما لا يروق عنده مع خباثة في النفس وسوء تفكير فيصير عدوًّا لمن حقه أن يكون له صديقاً، ويكثر أن تأتي هذه العداوة من اختلاف الدين ومن الانتماء إلى الأعداء.
ويجوز أن يكون على معنى التشبيه البليغ، أي كالعدوّ في المعاملة بما هو من شأن معاملة الأعداء كما قيل في المَثَل : يفعل الجاهل بنفسه ما يفعل العدوّ لعدوّه.
وهذا من استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه.
وعُطف على قوله :﴿ فاحذروهم ﴾ جملة ﴿ وإن تعفوا وتصفحوا ﴾ إلى آخرها عَطف الاحتراس لأنه إذا كان العفو مطلوباً محبوباً إلى الله تعالى وهو لا يكون إلا بعد حصول الذنب فإن عدم المؤاخذة على مجرد ظنّ العداوة أجدر بالطلب ففهم النهي عن معاملة الأزواج والأبناء معاملةَ الأعداء لأجل إيجاس العداوة، بل المقصود من التحذير التوقِّي وأخذُ الحيطة لابتداء المؤاخذة، ولذلك قيل :"الحزم سوء الظن بالناس"، أي لكن دون أن يبنى على ذلك الظن معاملة من صدر منه ما ظننت به قال تعالى :﴿ إن بعض الظن إثم ﴾ [ الحجرات : ١٢ ] وقال :﴿ أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ﴾ [ الحجرات : ٦ ].
والعفو : ترك المعاقبة على الذنب بعد الاستعداد لها.
ولو مع توبيخ.
والصفح : الإِعراض عن المذنب، أي ترك عقابه على ذنبه دون التوبيخ.
والغفر : ستر الذنب وعدم إشاعته.
والجمع بينها هنا إيماء إلى تراتب آثار هذه العداوة وما تقتضيه آثارها من هذه المعاملات الثلاث.
وحذف متعلق الأفعال الثلاثة لظهور أن المراد من أولادكم وأزواجكم فيما يصدر منهم مما يؤذيكم، ويجوز أن يكون حذف المتعلق لإِرادة عموم الترغيب في العفو.
وإنما يعفو المرء ويصفح ويغفر عن المذنب إذا كان ذنبه متعلقاً بحق ذلك المرء وبهذه الأفعال المذكورة هنا مطلقة وفي أدلة الشريعة تقييدات لها.