وقد لاحظت أن الإيمان بالغيوب والانبعاث عن تقوى الله تكرر خلال الآيات والأحكام الفقهية، حتى يمكن تفريج الأزمات العائلية الباعثة على الشقاق بالاعتماد على الله ومغالبة الأمر الواقع " ومن يتق الله يجعل له مخرجا ". وذكر الوحى الكريم تفصيلات للإنفاق فى السراء والضراء وبيانات لحالات الإرضاع وغيرها. وبدا من الإرشاد الإلهى أن الله سبحانه لا يريد أن يتحول الطلاق إلى كارثة اجتماعية كالحة، وألا يفقد المسلمون أدبهم وتواصلهم مع هذه المحنة.. ومع ذلك كله، فإن الطلاق كما مارسه المسلمون اقترن بمآس كئيبة. فمن الناحية الفقهية وقع الاعتراف بالطلاق البدعى، وانتشر الحلف بالطلاق، كما انتشر تعليقه على التوافه المحقرة، وسطرت فى كتب الفقه نوادر لوقوع الطلاق تستدعى العجب. ولا يزال الأوروبيون ينظرون إلى سهولة الطلاق وميوعة حدوده عندنا نظرة إنكار، وهى ميوعة اختلقها الناس ولا يعرفها الإسلام. ويكاد يستحيل أن تسمع امرأة الطلاق وتبقى فى البيت، كما يكاد يندر وقوع الطلاق داخل النطاق الذى رسمته السنة النبوية من طهر، واعتزال! وإشهاد.. والفقهاء المتربصون بمصير الأسرة المرحبون بتمزيق عراها لأتفه الأسباب والأقوال، لا حصر لهم.. وقد أضر ذلك إضرارا بليغا بسمعة الإسلام وانتشار رسالته، واستغله أعداؤه استغلالا واسعا.. ولذلك فأنا انظر إلى النصف الثانى من السورة على أنه امتداد وتكميل لنصفها الأول، وتحذير لأمتنا من العبث بأحكام الطلاق. ويبدأ، ذلك بقوله تعالى: " وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حسابا شديدا وعذبناها عذابا نكرا * فذاقت وبال أمرها... ". إلخ. وليتدبر القارئ قوله تعالى فى إحكام الطلاق: " ذلك أمر الله أنزله إليكم ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا ". وقوله بعد ذلك " وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله.. " إن السياق متماسك، ولفظ الأمر واحد. ولا يجوز لأمة شرفها الله بالوحى والهدى أن تفرط


الصفحة التالية
Icon