والذي ينظر في تشريعات الأسرة في القرآن والسنة في كل وضع من أوضاعها ولكل حالة من حالاتها، وينظر في التوجيهات المصاحبة لهذه التشريعات، وفي الإحتشاد الظاهر حولها بالمؤثرات والمعقبات ; وفي ربط هذا الشأن بالله مباشرة في كل موضع، كما هو الحال في هذه السورة وفي غيرها.. يدرك إدراكا كاملا ضخامة شأن الأسرة في النظام الإسلامي، وقيمة هذا الأمر عند الله، وهو يجمع بين تقواه - سبحانه - وتقوى الرحم في أول سورة النساء حيث يقول:(يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة، وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام. إن الله كان عليكم رقيبا).. كما يجمع بين عبادة الله والإحسان للوالدين في سورة الإسراء وفي غيرها: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا).. وبين الشكر لله والشكر للوالدين في سورة لقمان: (أن اشكر لي ولوالديك)..
وإن هذه العناية القصوى بأمر الأسرة لتتناسق مع مجرى القدر الإلهي بإقامة الحياة البشرية ابتداء على أساس الأسرة، حين جرى قدر الله أن تكون أول خلية في الوجود البشري هي أسرة آدم وزوجه، وأن يتكاثر الناس بعد ذلك من هذه الخلية الأولى. وكان الله - سبحانه - قادرا على أن يخلق الملايين من الأفراد الإنسانيين دفعةواحدة. ولكن قدره جرى بهذا لحكمة كامنة في وظيفة الأسرة الضخمة في حياة هذا المخلوق، حيث تلبي حياة الأسرة فطرته واستعداداته، وحيث تنمي شخصيته وفضائله، وحيث يتلقى فيها أعمق المؤثرات في حياته. ثم جرت هذه العناية في النظام الإسلامي - منهج الله الأخير في الأرض - مع القدر الإلهي في خلقة الإنسان ابتداء. كما هو الشأن في تناسق كل ما يصدر عن الله بلا تفاوت ولا اختلاف.


الصفحة التالية
Icon