وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير : لما تقدم قوله ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله﴾ [ المنافقين : ٩ ] وقوله في التغابن :﴿إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم﴾ [ التغابن : ١٤ ] وقوله تعالى ﴿إنما أموالكم وأولادكم فتنة﴾ [ التغابن : ١٥ ] والمؤمن قد يعرض له ما يضطره إلى فراق من نبه على فتنته وعظيم محنته، وردت هذه السورة منبهة على كيفية الحكم في هذا الافتراق، وموضحة أحكام الطلاق، وأن هذه العداوة وإن استحكمت ونار هذه الفتنة، إن اضطرمت لا توجب التبرؤ بالجملة وقطع المعروف ﴿لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً﴾ [ الطلاق : ١ ] ووصى سبحانه بالإحسان المجمل في قوله :﴿أو تسريح بإحسان﴾ [ البقرة : ٢٢٩ ] وبين تفصيل ذلك وما يتعلق به، فهذا الرفق المطلوب بإيقاع الطلاق في أول ما تستعده المطلقة في عدتها وتحسبه من مدتها تحذيراً من إيقاع الطلاق في الحيض الموجب تطويل العدة وتكثير المدة، وأكد هذا سبحانه بقوله ﴿واتقوا الله ربكم﴾ [ الطلاق : ١ ] ثم نبه سبحانه على حقهن أيام العدة من الإبقاء في مستقرهن حين إيقاع الطلاق إلى انقضاء العدة فقال :﴿لا تخرجوهن من بيوتهن﴾ [ الطلاق : ١ ] إلى ما استمرت عليه السورة من بيان الأحكام المتعلقة بالطلاق وتفصيل ذلك كله.
ولما كان الأولاد إذا ظهر منهم ما يوجب فراقهم وإبعادهم غير مفترقين إلى ما سوى الرفض والترك بخلاف المرأة، لم يحتج إلى ما احتيج إليه في حقهن فقد وضح وجه ورود سورة الطلاق في هذا الموضع - والله سبحانه وتعالى أعلم انتهى. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٨ صـ ٢٣ ـ ٢٧﴾