ثم خاطب الشهداء فقال :﴿وَأَقِيمُواْ الشهادة﴾ وهذا أيضاً مر تفسيره، وقوله :﴿وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً﴾ قال الشعبي : من يطلق للعدة يجعل الله له سبيلاً إلى الرجعة، وقال غيره : مخرجاً من كل أمر ضاق على الناس، قال الكلبي : ومن يصبر على المصيبة يجعل الله له مخرجاً من النار إلى الجنة، وقرأها النبي ﷺ فقال :" مخرجاً من شبهات الدنيا ومن غمرات الموت، ومن شدائد يوم القيامة، " وقال أكثر أهل التفسير : أنزل هذا وما بعده في عوف بن مالك الأشجعي أسر العدو ابناً له فأتى النبي ﷺ، وذكر له ذلك وشكا إليه الفاقة فقال له :" اتق الله واصبر وأكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله " ففعل الرجل ذلك فبينما هو في بيته إذ أتاه ابنه، وقد غفل عنه العدو، فأصاب إبلاً وجاء بها إلى أبيه، وقال صاحب "الكشاف" : فبينا هو في بيته، إذ قرع ابنه الباب ومعه مائة من الإبل غفل عنها العدو فاستاقها، فذلك قوله : ويرزقه من حيث لا يحتسب ويجوز أنه إن اتقى الله وآثر الحلال والصبر على أهله فتح الله عليه إن كان ذا ضيق ﴿وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ﴾ وقال في "الكشاف" :﴿وَمَن يَتَّقِ الله﴾ جملة اعتراضية مؤكدة لما سبق من إجراء أمر الطلاق على السنة كما مر.
وقوله تعالى :﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى الله فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ أي من وثق به فيما ناله كفاه الله ما أهمه، ولذلك قال رسول الله ﷺ :" من أحب أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله " وقرىء :﴿إِنَّ الله بالغ أَمْرِهِ﴾ بالإضافة ﴿وبالغ أمره﴾ أي نافذ أمره، وقرأ المفضل ﴿بالغاً أمره﴾، على أن قوله ﴿قَدْ جَعَلَ﴾ خبر ﴿إن﴾، و ﴿بالغاً﴾ حال.