جعل الشرع الصيام من أوكد عباداته وألزم فروضه، حتى روي عن النبي ﷺ أنه قال :" يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ : كُلُّ عَمَلِ ابنِ آدَمَ لَهُ إِلاَّ الصَّومَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَلَخَلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِندَ اللهِ مَن رِيحِ المِسْكَ
". وإنما اختص الصوم بأنه له، وإن كان كل العبادات له، لأمرين بَايَنَ الصومُ بِهِمَا سائِرَ الْعِبَادَاتِ :
أحدهما : أن الصوم منع من مَلاَذِّ النفس وشهواتها، ما لا يمنع منه سائر العبادات.
والثاني : أن الصوم سر بين العبد وربه لا يظهر إلا له، فلذلك صار مختصاً به، وما سواه من العبادات ظاهر، ربما فعله تصنّعاً ورياء، فلهذا صار أخص بالصوم من غيره. أ هـ ﴿النكت والعيون حـ ١ صـ ٢٣٥﴾
قوله تعالى ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾
المناسبة
قال البقاعى :
ولما كان للمريض حاجة للدواء والغذاء بحسب تداعي جسمه رفع عنه الكتب فتسبب عما مضى قوله سبحانه وتعالى :﴿فمن كان منكم مريضاً﴾ أي مرضاً يضره عاجلاً أو يزيد في علته آجلاً. قال الحرالي : فبقي على حكم التحمل بيقين مما يغذو المؤمن ويسقيه من غيب بركة الله سبحانه وتعالى، كما قال عليه الصلاة والسلام :" أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني " فللمؤمن غذاء في صومه من بركة ربه بحكم يقينه فيما لا يصل إليه من لم يصل إلى محله، فعلى قدر ما تستمد بواطن الناس من ظواهرهم يستمد ظاهر الموقن من باطنه حتى يقوى في أعضائه بمدد نور باطنه كما ظهر ذلك في أهل الولاية والديانة، فكان فطر المريض رخصة لموضع تداويه واغتذائه.


الصفحة التالية
Icon