وثالثها : وهو قول أكثر الفقهاء : أن المرض المبيح للفطر هو الذي يؤدي إلى ضرر النفس أو زيادة في العلة، إذ لا فرق في الفعل بين ما يخاف منه وبين ما يؤدي إلى ما يخاف منه كالمحموم إذا خاف أنه لو صام تشتد حماه، وصاحب وجع العين يخاف إن صام أن يشتد وجع عينه، قالوا : وكيف يمكن أن يقال كل مرض مرخص مع علمنا أن في الأمراض ما ينقصه الصوم، فالمراد إذن منه ما يؤثر الصوم في تقويته، ثم تأثيره في الأمر اليسير لا عبرة به، لأن ذل قد يحصل فيمن ليس بمريض أيضاً، فإذن يجب في تأثيره ما ذكرناه. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٥ صـ ٦٤﴾
قوله تعالى ﴿أو على سفر ﴾
أصل السفر من الكشف وذلك أنه يكشف عن أحوال الرجال وأخلاقهم والمسفرة المكنسة، لأنها تسفر التراب عن الأرض، والسفير الداخل بين اثنين للصلح، لأنه يكشف المكروه الذي اتصل بهما، والمسفر المضيء، لأنه قد انكشف وظهر ومنه أسفر الصبح والسفر الكتاب، لأنه يكشف عن المعاني ببيانه، وأسفرت المرأة عن وجهها إذا كشفت النقاب، قال الأزهري : وسمي المسافر مسافراً لكشف قناع الكن عن وجهه وبروزه للأرض الفضاء، وسمي السفر سفراً لأنه يسفر عن وجوه المسافرين وأخلاقهم، ويظهر ما كان خافياً منهم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٥ صـ ٦٤﴾
سؤال : لقائل أن يقول : رعاية اللفظ تقتضي أن يقال فمن كان منكم مريضاً أو مسافراً ولم يقل هكذا بل قال :﴿فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ على سَفَرٍ﴾.
وجوابه : أن الفرق هو أن المرض صفة قائمة بالذات : فإن حصلت حصلت وإلا فلا وأما السفر فليس كذلك لأن الإنسان إذا نزل في منزل فإن عدم الإقامة كان سكونه هناك إقامة لا سفراً وإن عدم السفر كان هو في ذلك الكون مسافراً فإذن كونه مسافراً أمر يتعلق بقصده واختياره، فقوله :﴿على سَفَرٍ﴾ معناه كونه على قصد السفر، والله أعلم بمراده. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٥ صـ ٦٤﴾
قال ابن عطية :


الصفحة التالية
Icon