وَأَمَّا تَخْصِيصُهُ الْمُتَّقِينَ بِالذِّكْرِ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى نَفْيِ وُجُوبِهَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ أَقَلَّ مَا فِيهِ اقْتِضَاءُ الْآيَةِ وُجُوبَهَا عَلَى الْمُتَّقِينَ، وَلَيْسَ فِيهَا نَفْيُهَا عَنْ غَيْرِ الْمُتَّقِينَ، كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ فِي قَوْلِهِ :﴿هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾ نَفْيُ أَنْ يَكُونَ هُدًى لِغَيْرِهِمْ، وَإِذَا وَجَبَتْ عَلَى الْمُتَّقِينَ بِمُقْتَضَى الْآيَةِ وَجَبَ عَلَى غَيْرِهِمْ، وَفَائِدَةُ تَخْصِيصِهِ الْمُتَّقِينَ بِالذِّكْرِ أَنَّ فِعْلَ ذَلِكَ مِنْ تَقْوَى اللَّهِ، وَعَلَى النَّاسِ أَنْ يَكُونُوا كُلُّهُمْ مُتَّقِينَ، فَإِذًا عَلَيْهِمْ فِعْلُ ذَلِكَ.
وَدَلَالَةُ الْآيَةِ ظَاهِرَةٌ فِي إيجَابِهَا، وَتَأْكِيدِ فَرْضِهَا ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ :" كُتِبَ عَلَيْكُمْ " مَعْنَاهُ فُرِضَ عَلَيْكُمْ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِيمَا سَلَفَ، ثُمَّ أَكَّدَ بِقَوْلِهِ :﴿بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾ وَلَا شَيْءَ فِي أَلْفَاظِ الْوُجُوبِ آكَدُ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ :" هَذَا حَقٌّ عَلَيْكَ " وَتَخْصِيصُهُ الْمُتَّقِينَ بِالذِّكْرِ عَلَى وَجْهِ التَّأْكِيدِ كَمَا بَيَّنَّاهُ آنِفًا، مَعَ اتِّفَاقِ أَهْلِ التَّفْسِيرِ مِنْ السَّلَفِ أَنَّهَا كَانَتْ وَاجِبَةً بِهَذِهِ الْآيَةِ.


الصفحة التالية
Icon