وثانيها : أنه إذا أنقص الوصايا، فذلك يصعب على الموصى لهم، ويوهم أن فيه إثماً، فأزال ذلك الوهم، فقال :﴿فَلاَ إِثْمَ عَلَيَهِ﴾.
وثالثها : أن مخالفة الموصي في وصيَّته، وصرفها عمن أحبَّ إلى من كره ؛ فإن ذلك يوهم القبح فبيَّن تعالى أن ذلك حسنٌ ؛ بقوله :﴿فَلاَ إِثْمَ عَلَيَهِ﴾.
ورابعها : أن الإصلاح بين جماعةٍ يحتاج إلى إكثارٍ من القول، ويخاف أن يتخلَّله بعض ما لا ينبغي من القول والفعل ؛ فبيَّن تعالى أنَّه لا ثم عليه في هذا الجنس، إذا كان قصده في الإصلاح جميلاً. أ هـ ﴿اللباب لابن عادل حـ ٢ صـ ٣٢٨﴾
قوله تعالى :﴿إن الله غفور رحيم﴾ فيه تنويه بالمحافظة على تنفيذ وصايا الموصين حتى جعل تغيير جورهم محتاجاً للإذن من الله تعالى والتنصيص على أنه مغفور. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٢ صـ ١٥٤﴾
سؤال : فإن قيل : قوله تعالى :﴿إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ إنما يليق بمن فعل فعلاً لا يجوز، وهذا الإصلاح من جملة الطَّاعات، فكيف يليق به هذا الكلام ؟
فالجواب من وجوه :
أحدهما : أن هذا من باب التَّنبيه بالأدنى على الأعلى، فكأنه قال : انا الذي أغفر للذُّنوب، ثم أرحم المذنب ؛ فبأن اوصل رحمتي وثوابي إليك، مع أنك تحمَّلت المحن الكثيرة في إصلاح هذا المهمِّ كان أولى.
وثانيها : يحتمل أن يكون المراد : أن ذلك الموصي الذي أقدم على الجنف والإثم، متى أصلحت وصيَّته ؛ فإن الله غفور رحيم يغفر له، ويرحمه بفضله.
وثالثها : أن المصلح، ربما احتاج في الإصلاح إلى أفعال وأقوال، كان الأولى تركها، فإذا علم الله تعالى منه أنَّه ليس غرضه إلا الإصلاح، فإنه لا يؤاخذه بها ؛ لأنه غفور رحيم. أ هـ ﴿اللباب لابن عادل حـ ٢ صـ ٣٢٨﴾