من فوائد الإمام الجصاص فى الآية
قال رحمه الله :
بَاب الْقَوْلِ فِي وُجُوبِ الْوَصِيَّةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ﴾ قَالَ أَبُو بَكْرٍ : لَمْ يَخْتَلِفْ السَّلَفُ مِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّ قَوْلَهُ :" خَيْرًا " أَرَادَ بِهِ مَالًا، وَاخْتَلَفُوا فِي الْمِقْدَارِ الْمُرَادِ بِالْمَالِ الَّذِي أَوْجَبَ اللَّهُ الْوَصِيَّةَ فِيهِ حِينَ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ فَرْضًا ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ :﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمْ ﴾ مَعْنَاهُ فُرِضَ عَلَيْكُمْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ ﴾ وَقَوْلِهِ :﴿ إنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ﴾ يَعْنِي فَرْضًا مُوَقَّتًا.
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى مَوْلًى لَهُ فِي مَرَضِهِ وَلَهُ سَبْعُ مِائَةِ دِرْهَمٍ أَوْ سِتُّ مِائَةِ دِرْهَمٍ فَقَالَ : أَلَا أُوصِي ؟ قَالَ : لَا، إنَّمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ إنْ تَرَكَ خَيْرًا ﴾ وَلَيْسَ لَكَ كَثِيرُ مَالٍ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ :" أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَمَا دُونَهَا نَفَقَةٌ ".
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ :" لَا وَصِيَّةَ فِي ثَمَانِ مِائَةِ دِرْهَمٍ ".
وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي امْرَأَةٍ أَرَادَتْ الْوَصِيَّةَ فَمَنَعَهَا أَهْلُهَا، وَقَالُوا : لَهَا وَلَدٌ، وَمَالُهَا يَسِيرٌ، فَقَالَتْ : كَمْ وَلَدُهَا ؟ قَالُوا : أَرْبَعَةٌ، قَالَتْ : فَكَمْ مَالُهَا ؟ قَالُوا : ثَلَاثَةُ آلَافٍ، فَكَأَنَّهَا عَذَرَتْهُمْ، وَقَالَتْ : مَا فِي هَذَا الْمَالِ فَضْلٌ.