وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ وَكَأِيِّن مِّن قَرْيَةٍ ﴾
لما ذكر الأحكام ذكر وحذّر مخالفة الأمر، وذكر عُتُوّ قوم وحلول العذاب بهم.
وقد مضى القول في "كأين" في "آل عمران" والحمد الله.
﴿ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا ﴾ أي عصت ؛ يعني القرية والمراد أهلها.
﴿ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً ﴾ أي جازيناها بالعذاب في الدنيا ﴿ وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُّكْراً ﴾ في الآخرة.
وقيل : في الكلام تقديم وتأخير ؛ فعذبناها عذاباً نُكْرا في الدنيا بالجوع والقَحْط والسيف والخَسْف والمَسْخ وسائر المصائب، وحاسبناها في الآخرة حساباً شَديداً.
والنُّكْر : المنكر.
وقرىء مُخَفَّفاً ومُثَقَّلاً ؛ وقد مضى في سورة "الكهف".
﴿ فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا ﴾ أي عاقبة كفرها ﴿ وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً ﴾ أي هلاكاً في الدنيا بما ذكرنا، والآخرة بجهنم.
وجيء بلفظ الماضي كقوله تعالى :﴿ ونادى أَصْحَابُ الجنة أَصْحَابَ النار ﴾ [ الأعراف : ٤٤ ] ونحو ذلك ؛ لأن المنتظر من وعد الله ووعيده ملقىً في الحقيقة ؛ وما هو كائن فكأن قَد.
﴿ أَعَدَّ الله لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً ﴾ بيّن ذلك الخُسر وأنه عذاب جهنم في الآخرة.
﴿ فاتقوا الله ياأولي الألباب ﴾ أي العقول.
﴿ الذين آمَنُواْ ﴾ بدل من "أُولِي الأَلْبَاب" أو نعت لهم ؛ أي يا أُولي الألباب الذين آمنتم بالله اتقوا الله الذي أنزل عليكم القرآن ؛ أي خافوه واعملوا بطاعته وانتهوا عن معاصيه.
وقد تقدم.
﴿ رَّسُولاً ﴾ قال الزجاج : إنزال الذكر دليل على إضمار أرسل ؛ أي أنزل إليكم قرآناً وأرسل رسولاً.
وقيل : إن المعنى قد أنزل الله إليكم صاحب ذكر رسولاً ؛ ف "رسولاً" نعت للذكر على تقدير حذف المضاف.
وقيل : إن رسولاً معمول للذكر لأنه مصدر ؛ والتقدير : قد أنزل الله إليكم رسولاً.
ويكون ذكره الرسول قوله :﴿ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ الله ﴾ [ الفتح : ٢٩ ].