وقال ابن عاشور :
﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا (٨) ﴾
لما شُرعت للمسلمين أحكام كثيرة من الطلاف ولَواحِقه، وكانت كلها تكاليف قد تحجُم بعضُ الأنفس عن إيفاء حق الامتثال لها تكاسلاً أو تقصيراً رغّب في الامتثال لها بقوله :﴿ ومن يتق الله يجعل له مخرجاً يُسْراً * وَكَأِيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فحاسبناها حِسَاباً شَدِيداً وعذبناها عَذَاباً نُّكْراً * فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عاقبة أَمْرِهَا خُسْراً * أَعَدَّ الله لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فاتقوا الله ياأولى الألباب الذين ءَامَنُواْ قَدْ أَنزَلَ الله إِلَيْكُمْ ذِكْراً [ الطلاق : ٢ ] وقوله :{ ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً ﴾ [ الطلاق : ٤ ]، وقوله :﴿ ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجراً ﴾ [ الطلاق : ٥ ] وقوله :﴿ سيجعل الله بعد عسر يسراً ﴾ [ الطلاق : ٧ ].
وحذر الله الناس في خلال ذلك من مخالفتها بقوله :﴿ وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه ﴾ [ الطلاق : ١ ]، وقوله :﴿ ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ﴾ [ الطلاق : ٢ ] أعقبها بتحذير عظيم من الوقوع في مخالفة أحكام الله ورسله لقلة العناية بمراقبتهم، لأن الصغير يُثير الجليل، فذكَّر المسلمين ( وليسوا ممن يعتوا على أمر ربهم ) بما حلّ بأقوام من عقاب عظيم على قلة اكتراثهم بأمر الله ورسله لئلا يسلكوا سبيل التهاون بإقامة الشريعة، فيلقي بهم ذلك في مَهواة الضلال.
وهذا الكلام مقدمة لما يأتي من قوله :﴿ فاتقوا الله يا أولي الألباب ﴾ الآيات.
فالجملة معطوفة على مجموع الجمل السابقة عطف غرض على غرض.
و﴿ كأيّن ﴾ اسم لعدد كثير مُبهم يفسره ما يميزه بعده من اسم مجرور بمن و ﴿ كأيّن ﴾ بمعنى ( كَم ) الخبرية.


الصفحة التالية
Icon