وجعل إنزال الذكر إلى المؤمنين لأنهم الذين انتفعوا به وعملوا بما فيه فخصصوا هنا من بين جميع الأمم لأن القرآن أنزل إلى الناس كلهم.
وقوله :﴿ رسولاً ﴾ بدل من ﴿ ذكراً ﴾ بدل اشتمال لأن بين القرآن والرسول محمد ﷺ ملازمةً وملابسةً فإن الرسالة تحققت له عند نزول القرآن عليه، فقد أُعمل فعل ﴿ أنزل ﴾ في ﴿ رسولاً ﴾ تبعاً لإِعماله في المبدل منه باعتبار هذه المقارنة واشتمال مفهوم أحد الاسمين على مفهوم الآخر.
وهذا كما أبدل ﴿ رسول من الله ﴾ [ البينة : ٢ ] من قوله :﴿ حتى تأتيهم البينة في سورة البينة ( ١ ).
والرسول : هو محمد.
وأما تفسير الذكر بجبريل، وهو مروي عن الكلبي لتصحيح إبدال رسولاً ﴾
منه ففيه تكلفات لا داعي إليها فإنه لا محيص عن اعتبار بدل الاشتمال، ولا يستقيم وصف جبريل بأنه يتلو على الناس الآيات فإن معنى التلاوة بعيد من ذلك، وكذلك تفسير الذكر بجبريل.
ويجوز أن يكون ﴿ رسولاً ﴾ مفعولاً لفعل محذوف يدل عليه ﴿ أنزل الله ﴾ وتقديره : وأرسل إليكم رسولاً، ويكون حذفه إيجازاً إلاّ أن الوجه السابق أبلغ وأوجز.
وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وأبو بكر عن عاصم ﴿ مبينات ﴾ بفتح الياء.
وقرأه الباقون بكسرها ومَآل القراءتين واحد.
وجعلت علة إنزال الذكر إخراجَ المؤمنين الصالحين من الظلمات إلى النور وإن كانت علة إنزاله إخراج جميع الناس من ظلمات الكفر وفساد الأعمال إلى نور الإِيمان والأعمال الصالحات، نظراً لخصوص الفريق الذي انتفع بهذا الذكر اهتماماً بشأنهم.
وليس ذلك بدالّ على أن العلة مقصورة على هذا الفريق ولكنه مجرد تخصيص بالذكر.
وقد تقدم نظير هذه الجملة في مواضع كثيرة منها أول سورة الأعراف.
﴿ النور وَمَن يُؤْمِن بالله وَيَعْمَلْ صالحا يُدْخِلْهُ جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الانهار خالدين فِيهَآ أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ الله لَهُ ﴾.


الصفحة التالية
Icon