قال تعالى "إِنْ تَتُوبا" على طريق الالتفات وهو أبلغ من المعاتبة، والخطاب لعائشة وحفصة لأنهما اللّتان تواطأتا على ذلك كما مر آنفا وترجعا "إِلَى اللَّهِ" عما وقع منكما من الاتفاق والتعاون على أذى حضرة الرّسول وعلى كتمان ما يأمر كنّ بكتمانه، لأنه الواجب عليكما طلبا لرضائه، لأن اللّه تعالى يغفر لكما ما بدر منكما، لأن ما تواطأتما به عليه "فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما" به أي زاغت ومالت هما هو الواجب عليكما من الإخلاص لحضرته بأن تحبا ما يحبه وتكرها ما يكرهه، وامتثال أمره مهما كان، وقد وجد منكما ما يوجب التوبة وهو ميل قلوبكما عن الامتثال لما أراده منكما
لأن ذلك مخالفة لحضرته تستوجب العقوبة، وهي إثم تجب التوبة منه عليكما، لأن طاعته واجبة، ثم هددهما بقوله "وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ" وتتعاونا بما يسوءه قولا وفعلا "فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ" وحافظه من كيدكن وناصره عليكما وعلى كلّ من يناوئه "وَجِبْرِيلُ" وليه أيضا "وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ" أوليائه وفي طليعتهم أبواكما ينصرانه عليكما "وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ" النصر والتولي من اللّه وجبريل وكلّ مخلص من المؤمنين والملائكة الكرام "ظَهِيرٌ" (٤) له على كلّ من يناوئه فما يغني تظاهركما عليه.
واعلمن أيها النّساء كلكن إذا أصررتن على ما أنتنّ عليه فمصيركن الهلاك فبادرون بالندم وأسرعن بالتوبة مما وقع منكن واسترضينه، فإذا رضي عنكما فلعل ربّه أن يقبل توبتكما وإذا أصررتما فما تدريان "عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ" لأن تصييركن بوجودكن عنده وفضلكن بما نلتنه من قربه، فإذا طلقكن زالت منكن تلك الصّفات ولم يبق لكن فضل على غيركن.