قال تعالى في براعتها مما وصمها به قومها "وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها" وتمتعت بالعفة في حياتها الدّنيوية كلها "فَنَفَخْنا فِيهِ" بواسطة الأمين جبريل عليه السّلام من جيب درعها نفخة "مِنْ رُوحِنا" التي خلقناها في الأزل لحياة ابنها عيسى عليه السّلام راجع الآية ٩٢ من سورة الأنبياء ج ٢ لنقف على كيفية النّفخ هذا وقد أضاف اللّه تعالى الرّوح اليه إضافة تشريف، لأنه هو الذي خلقها وأبقاها عنده للوقت المقدر لبعث ابنها لأنها له، كما يقال بيت اللّه وهو لخلقه، وناقة اللّه وهي لقوم صالح عليه السّلام، وقد جرت عليها السّلام على أذى قومها وو صمهم لها وهي براء "وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها" التي بشرها بها جبريل عليه السلام بما لها عند اللّه من الكرامة، وبإيجاد عيسى منها من غير أب، وبهذا المعنى أطلق عليه كلمة اللّه، لأنه خلق بلفظ كن، وهي كلمة اللّه التي أوجد فيها جميع الخلق النّامي منه والجامد "وَكُتُبِهِ" المنزلة على أنبيائه، صدقت بها أيضا، ومنها إنجيل ابنها الذي تلقاه عن ربه "وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ" (١٢) للّه تعالى وهي من نسل القانتين، لأن رهطها وعشيرتها من بيت الصّلاح والنّبوة، ولما كان القنوت صفة تشمل كلّ من يقنت ذكرا كان أو أنثى غلب في الذكور هنا، فيدخل فيه القانتات واعلم أن في هذين المثلين تعريضا بأمّي المؤمنين حفصة وعائشة رضي اللّه عنهما على ما فرط منهما في تواطئهما على ما يغيظ حضرة الرّسول صلّى اللّه عليه وسلم، وتحذير لهما من العود إلى مثله، واعلاما لهما بأنهما إذا لم يخلصا له كاخلاص آسية ومريم إلى اللّه تعالى لم ينتفعا من صحبته في الآخرة، وأن لا يتكلا على كونهما