ولما كان التخفيف على هذه الأمة إنما هو كرماً منه وتعظيماً لهذا النبي ـ ﷺ ـ قال :﴿لكم﴾ أي أيتها الأمة التي أنت رأسها، وعبر بمصدر حلل المزيد مثل كرمه وتكرمه إظهاراً لمزيد الغاية فقال :﴿تحلة﴾ أي تحللة ﴿أيمانكم﴾ أي شيئاً يحللكم مما أوثقتم به أنفسكم منها تارة بالاستثناء وتارة بالكفارة تحليلاً عظيماً بحيث يعيد الحال إلى ما كان عليه قبل اليمين، وقد بين ذلك في سورة المائدة فحلل يمينك واخرج من تضييقك على نفسك واشرح من صدرك لتتلقى ما يأتيك من أنباء الله تعالى وأنت متفرغ له بطيب النفس وقرة العين، وهذا يدل على أن قوله " أنت علي حرام " كاليمين إذا لم يقصد به طلاقاً للزوجة ولا إعتاقاً للأمة، وإذا كان الله قد فرض ذلك لكافة الأمة تيسيراً عليهم فرأسهم أولى بأن يجعل له ذلك، قال مقاتل : فأعتق ـ ﷺ ـ في هذه الواقعة رقبة، وقد قيل : إن تحريمه ـ ﷺ ـ هنا كان بيمين حلفها وحينئذ لا يكون فيه حجة لمن رأى أن " أنت على حرام " يمين ﴿والله﴾ أي والحال أن المختص بأوصاف الكمال ﴿مولاكم﴾ أي يفعل معكم فعل القريب الصديق ﴿العليم﴾ أي البالغ العلم بمصالحكم وغيرها إلى ما لا نهاية له ﴿الحكيم﴾ أي الذي يضع كل ما يصدر عنه لكم في أتقن محاله بحيث لا ينسخه هو ولا يقدر غيره أن يغيره ولا شيئاً منه، وقال الإمام أبو جعفر ابن الزبير : لاخفاء بشدة اتصال هذه السورة بسورة الطلاق لاتحاد مرماهما وتقارب معناهما، وقد ظن أن رسول الله ـ ﷺ ـ طلق نساءه حين اعتزل في المشربة حتى سأله عمر ـ رضى الله عنه ـ والقصة معروفة وتخييره صل الله عليه وسلم إياهن أثر ذلك وبعد اعتزالهن شهراً كاملاً وعتب الله عليهن في قوله :