وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ يا أيها الذين آمَنُواْ توبوا إِلَى الله تَوْبَةً نَّصُوحاً ﴾
فيه مسألتان :
الأولى : قوله تعالى :﴿ يا أيها الذين آمَنُواْ توبوا إِلَى الله ﴾ أمر بالتوبة، وهي فرض على الأعيان في كل الأحوال وكل الأزمان.
وقد تقدّم بيانها والقول فيها في "النساء" وغيرها.
﴿ تَوْبَةً نَّصُوحاً ﴾ اختلفت عبارة العلماء وأرباب القلوب في التوبة النصوح على ثلاثة وعشرين قولا ؛ فقيل : هي التي لا عَوْدة بعدها كما لا يعود اللّبن إلى الضَّرع ؛ وروي عن عمر وابن مسعود وأُبَيّ بن كعب ومعاذ بن جبل رضي الله عنهم.
ورفعه مُعاذ إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم.
وقال قتادة : النَّصُوح الصادقة الناصحة.
وقيل الخالصة ؛ يقال : نصح أي أخلص له القول.
وقال الحسن : النَّصُوح أن يُبْغِض الذنب الذي أحبّه ويستغفر منه إذا ذكره.
وقيل : هي التي لا يثق بقبولها ويكون على وَجَل منها.
وقيل : هي التي لا يحتاج معها إلى توبة.
وقال الكلبيّ : التوبة النصوح النّدم بالقلب، والاستغفار باللسان، والإقلاع عن الذنب، والاطمئنان على أنه لا يعود.
وقال سعيد بن جُبير : هي التوبة المقبولة ؛ ولا تقبل ما لم يكن فيها ثلاثة شروط : خوف ألا تقبل، ورجاء أن تقبل، وإدمان الطاعات.
وقال سعيد بن المسيّب : توبة تنصحون بها أنفسكم.
وقال القرظي : يجمعها أربعة أشياء : الاستغفار باللسان، والإقلاع بالأبدان، وإضمار ترك العَوْد بالجنَان، ومهاجرة سيء الخِلان.
وقال سفيان الثَّوْري : علامة التوبة بالنصوح أربعة : القِلّة والعِلة والذِّلّة والغُرْبة.
وقال الفُضَيل ابن عياض : هو أن يكون الذنب بين عينيه، فلا يزال كأنه ينظر إليه.
ونحوه عن ابن السّماك : أن تَنصِب الذنب الذي أقللت فيه الحياء من الله أمام عينك وتستعدّ لمنتظرك.
وقال أبو بكر الوَرَّاق : هو أن تضيق عليك الأرض بما رحُبَت، وتضيق عليك نفسك ؛ كالثلاثة الذين خُلِّفوا.