فإن كان الذنب من مظالم العباد فلا تصح التوبة منه إلا بردّه إلى صاحبه والخروج عنه عَيْناً كان أو غيره إن كان قادراً عليه، فإن لم يكن قادراً فالعزم أن يؤدّيَه إذا قَدَر في أعجل وقت وأسرعه.
وإن كان أضرّ بواحد من المسلمين وذلك الواحد لا يشعر به أو لا يدري من أين أتى، فإنه يزيل ذلك الضرر عنه، ثم يسأله أن يعفو عنه ويستغفر له، فإذا عفا عنه فقد سقط الذنب عنه.
وإن أرسل من يسأل ذلك له، فعفا ذلك المظلوم عن ظالمه عَرفَه بعينه أو لم يعرفه فذلك صحيح.
وإن أساء رجل إلى رجل بأن فزّعه بغير حقّ، أو غمّه أو لطمه، أو صفعه بغير حقّ، أو ضربه بسوط فآلمه، ثم جاءه مستعفِياً نادماً على ما كان منه، عازماً على ألاّ يعود، فلم يزل يتذلّل له حتى طابت نفسه فعفا عنه، سقط عنه ذلك الذنب.
وهكذا إن كان شانَه بشتم لا حدّ فيه.
قوله تعالى :﴿ عسى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ﴾ "عسى" من الله واجبة.
وهو معنى قوله عليه السلام :" التائب من الذنب كمن لا ذنب له " و "أن" في موضع رفع اسم عسى.
قوله تعالى :"وَيُدْخِلَكُمْ" معطوف على ﴿ يُكَفِّرَ ﴾.
وقرأ ابن أبي عَبْلة ﴿ وَيُدْخِلَكُمْ ﴾ مجزوماً، عطفاً على محل عسى أن يكفّر.
كأنه قيل : تُوبُوا يوجب تكفير سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار.
﴿ يَوْمَ لاَ يُخْزِى الله النبي ﴾ العامل في "يَوْمَ" :"يُدخلكم" أو فعل مضمر.
ومعنى "يُخْزي" هنا يعذّب، أي لا يعذّبه ولا يعذّب الذين آمنوا معه.
﴿ نُورُهُمْ يسعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ ﴾ تقدم في سورة "الحديد".
﴿ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا واغفر لَنَآ إِنَّكَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما : هذا دعاء المؤمنين حين أطفأ الله نور المنافقين ؛ حسب ما تقدم بيانه في سورة "الحديد".
قوله تعالى :﴿ يا أيها النبي جَاهِدِ الكفار والمنافقين واغلظ عَلَيْهِمْ ﴾


الصفحة التالية
Icon