واعلم أن كونه عزيزاً غفوراً لا يتم إلا بعد كونه قادراً على كل المقدورات عالماً بكل المعلومات أما أنه لا بد من القدرة التامة، فلأجل أن يتمكن من إيصال جزاء كل أحد بتمامه إليه سواء كان عقاباً أو ثواباً، وأما أنه لا بد من العلم التام فلأجل أن يعلم أن المطيع من هو والعاصي من هو فلا يقع الخطأ في إيصال الحق إلى مستحقه، فثبت أن كونه عزيزاً غفوراً لا يمكن ثبوتها إلا بعد ثبوت القدرة التامة والعلم التام، فلهذا السبب ذكر الله الدليل على ثبوت هاتين الصفتين في هذا المقام، ولما كان العلم بكونه تعالى قادراً متقدماً على العلم بكونه عالماً، لا جرم ذكر أولاً دلائل القدرة وثانياً دلائل العلم.
الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (٣)
أما دليل القدرة فهو قوله :﴿الذى خَلَقَ سَبْعَ سموات طِبَاقاً﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
ذكر صاحب "الكشاف" في ﴿طِبَاقاً﴾ ثلاثة أوجه أولها : طباقاً أي مطابقة بعضها فوق بعض من طابق النعل إذا خصفها طبقاً على طبق، وهذا وصف بالمصدر وثانيها : أن يكون التقدير ذات طباق وثالثها : أن يكون التقدير طوبقت طباقاً.
المسألة الثانية :
دلالة هذه السموات على القدرة من وجوه أحدها : من حيث إنها بقيت في جو الهواء معلقة بلا عماد ولا سلسلة وثانيها : من حيث إن كل واحد منها اختص بمقدار معين مع جواز ما هو أزيد منه وأنقص وثالثها : أنه اختص كل واحد منها بحركة خاصة مقدرة بقدر معين من السرعة والبطء إلى جهة معينة ورابعها : كونها في ذواتها محدثة وكل ذلك يدل على استنادها إلى قادر تام القدرة.
وأما دليل العلم فهو قوله :﴿مَّا ترى فِى خَلْقِ الرحمن مِن تفاوت فارجع البصر هَلْ ترى مِن فُطُورٍ﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى :


الصفحة التالية
Icon