اعلم أن وجه الاستدلال بهذا على كمال علم الله تعالى هو أن الحس دل أن هذه السموات السبع، أجسام مخلوقة على وجه الإحكام والإتقان، وكل فاعل كان فعله محكماً متقناً فإنه لا بد وأن يكون عالماً، فدل هذه الدلالة على كونه تعالى عالماً بالمعلومات فقوله :﴿مَّا ترى فِى خَلْقِ الرحمن مِن تفاوت﴾ إشارة إلى كونها محكمة متقنة.
المسألة السادسة :
احتج الكعبي بهذه الآية على أن المعاصي ليست من خلق الله تعالى، قال : لأنه تعالى نفى التفاوت في خلقه، وليس المراد نفي التفاوت في الصغر والكبر والنقص والعيب فوجب حمله على نفي التفاوت في خلقه من حيث الحكمة، فيدل من هذا الوجه على أن أفعال العباد ليست من خلقه على ما فيها من التفاوت الذي بعضه جهل وبعضه كذب وبعضه سفه، الجواب : بل نحن نحمله على أنه لا تفوت فيه بالنسبة إليه، من حيث إن الكل يصح منه بحسب القدرة والإرادة والداعية، وإنه لا يقبح منه شيء أصلاً، فلم كان حمل الآية على التفاوت من الوجه الذي ذكرتم أولى من حملها على نفي التفاوت من الوجه الذي ذكرناه، ثم إنه تعالى أكد بيان كونها محكمة متقنة، وقال :﴿فارجع البصر هَلْ ترى مِن فُطُورٍ﴾ والمعنى أنه لما قال :﴿مَّا ترى فِى خَلْقِ الرحمن مِن تفاوت﴾ كأنه قال بعده : ولعلك لا تحكم بمقتضى ذلك بالبصر الواحد، ولا تعتمد عليه بسبب أنه قد يقع الغلط في النظرة الواحدة، ولكن ارجع البصر واردد النظرة مرة أخرى، حتى تتيقن أنه ليس في خلق الرحمن من تفاوت ألبتة.
والفطور جمع فطر، وهو الشق يقال : فطره فانفطر ومنه فطر ناب البعير، كما يقال : شق ومعناه شق اللحم فطلع، قال المفسرون :﴿هَلْ ترى مِن فُطُورٍ﴾ أي من فروج وصدوع وشقوق، وفتوق، وخروق، كل هذا ألفاظهم.
ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (٤)


الصفحة التالية
Icon