فأخبر تعالى أنه وإن نظر في السماء مرتين لا يرى فيها عيباً بل يتَحيّر بالنظر إليها ؛ فذلك قوله تعالى :﴿ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئاً ﴾ أي خاشعاً صاغراً متباعداً عن أن يرى شيئاً من ذلك.
يقال : خسأت الكلبَ أي أبعدته وطردته.
وخسأ الكلبُ بنفسه، يتعدى ولا يتعدّى.
وانخسأ الكلبُ أيضاً.
وخسأ بصرُه خَسْئاً وخسوءاً أي سَدِر، ومنه قوله تعالى :﴿ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئاً ﴾.
وقال ابن عباس : الخاسىء الذي لم ير ما يهوى.
﴿ وَهُوَ حَسِيرٌ ﴾ أي قد بلغ الغاية في الإعياء.
فهو بمعنى فاعل ؛ من الحسور الذي هو الإعياء.
ويجوز أن يكون مفعولاً من حسره بُعْدُ الشيء، وهو معنى قول ابن عباس.
ومنه قول الشاعر :
مَن مَدّ طرفاً إلى ما فوق غايته...
ارْتدّ خَسْآنَ منه الطَّرْفُ قد حَسرا
يقال : قد حَسَر بَصرُه يَحْسِر حُسوراً، أي كَلّ وانقطع نظره من طول مَدىً وما أشبه ذلك، فهو حَسير ومحسورٌ أيضاً.
قال :
نظرت إليها بالْمُحصِّبِ من مِنىً...
فعاد إليّ الطَّرف وهو حسير
وقال آخر يصف ناقة :
فشَطْرَهَا نَظَرُ العينين محسور...
نصب "شطرها" على الظرف، أي نحوها.
وقال آخر :
والخيل شُعْثٌ ما تزال جيادُها...
حَسْرَى تغادر بالطريق سخالهَا
وقيل : إنه النادم.
ومنه قول الشاعر :
ما أنا اليومَ على شيىءٍ خَلاَ...
يابنة القين تَوَلىَّ بِحَسِرْ
والمراد ب "كَرَّتَيْنِ" ها هنا التكثير.
والدليل على ذلك :﴿ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ ﴾ وذلك دليل على كثرة النظر. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ١٨ صـ ﴾