ولما عبر عن ذمها بمجمع المذام، أتبعه الوصف لبعض تجهمها على وجه التعليل، فقال دالاً بالإلقاء على خساستهم وحقارتهم معبراً بأداة التحقيق دالالة على أنه أمر لا بد منه، وبالبناء للمفعول على أن إلقاءهم في غاية السهولة على كل من يؤمر به :﴿إذا ألقوا﴾ أي طرح الذين كفروا والأخساء من أي طارح أمرناه بطرحهم ﴿فيها﴾ حين تعتلهم الملائكة فتطرحهم كما تطرح الحطب في النار ﴿سمعوا لها﴾ أي جهنم نفسها ﴿شهيقاً﴾ أي صوتاً هائلاً أشد نكارة من أول صوت الحمار لشدة توقدها وغليانها، أو لأهلها - على حذف مضاف ﴿وهي تفور﴾ أي تغلي بهم كغلي المرجل بما فيه من شدة التلهب والتسعر، فهم لا يزالون فيها صاعدين هابطين كالحب إذا كان الماء - يغلي به، لا قرار لهم أصلاً.
ولما وصفها بالفوران، بين سببه تمثيلاً لشدة اشتعالها عليهم فقال :﴿تكاد تميز﴾ أي تقرب من أن ينفصل بعضها من بعض كما يقال : يكاد فلان ينشق من غيظه وفلان غضب فطارت شقة منه في الأرض وشقة في السماء - كناية عن شدة الغضب ﴿من الغيظ﴾ أي عليهم، كأنه حذف إحدى التاءين إشارة إلى أنه يحصل منها افتراق واتصال على وجه من السرعة لا يكاد يدرك حق الإدراك، وذلك كله لغضب سيدها، وتأتي يوم القيامة تقاد إلى المحشر بألف زمام لكل زمام سبعون ألف ملك يقودونها به، وهي شدة الغيظ تقوى على الملائكة وتحمل على الناس فتقطع الأزمة جميعاً وتحطم أهل المحشر فلا يردها عنهم إلا النبي ـ ﷺ ـ يقابلها بنوره فترجع مع أن لكل ملك من القوة ما لو أمر به أن يقتلع الأرض وما عليها من الجبال ويصعد بها في الجو فعل من غير كلفة، وهذا كما أطفأها في الدنيا بنفخة كما رواه الجماعة إلا الترمذي وهذا لفظ أبي داود عن عبد الله بن عمرو ـ رضى الله عنهما ـ قال :" انكسفت الشمس على عهد رسول الله ـ ﷺ ـ - فذكر صلاته إلى أن قال : ثم نفخ في آخر سجوده.