وهم سادرون في غيهم يحسبون أنهم مهتدون وهم ضالون. فالسورة ترسم لهم حقيقة حالهم وحال المهتدين حقا، في صورة متحركة موحية:(أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى ؟ أم من يمشي سويا على صراط مستقيم ؟).
وهم لا ينتفعون بما رزقهم الله في ذوات أنفسهم من استعدادات ومدارك ; ولا يتجاوزون ما تراه حواسهم إلى التدبر فيما وراء هذا الواقع القريب. فالسورة تذكرهم بنعمة الله فيما وهبهم، وتوجههم إلى استخدام هذه الهبة في تنور المستقبل المغيب وراء الحاضر الظاهر، وتدبر الغاية من هذه البداية: ٦ : هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة، قليلا ما تشكرون. قل: هو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون..
وهم يكذبون بالبعث والحشر، ويسألون عن موعده. فالسورة تصوره لهم واقعا مفاجئا قريبا يسوؤهم أن يكون:(ويقولون: متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ؟ قل إنما العلم عند الله، وإنما أنا نذير مبين. فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا، وقيل: هذا الذي كنتم به تدعون !)..
وهم يتربصون بالنبي ( ﷺ ) ومن معه أن يهلكوا فيستريحوا من هذا الصوت الذي يقض عليهم مضجعهم بالتذكير والتحذير والإيقاظ من راحة الجمود ! فالسورة تذكرهم بأن هلاك الحفنة المؤمنة أو بقاءها لا يؤثر فيما ينتظرهم هم من عذاب الله على الكفر والتكذيب، فأولى لهم أن يتدبروا أمرهم وحالهم قبل ذلك اليوم العصيب:(قل: أرأيتم إن أهلكني الله ومن معي أو رحمنا فمن يجير الكافرين من عذاب أليم ؟ قل: هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا فستعلمون من هو في ضلال مبين).
وتنذرهم السورة في ختامها بتوقع ذهاب الماء الذي به يعيشون، والذي يجريه هو الله الذي به يكفرون !(قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين ؟)..
إنها حركة. حركة في الحواس، وفي الحس، وفي التفكير، وفي الشعور.
ومفتاح السورة كلها، ومحورها الذي تشد إليه تلك الحركة فيها، هو مطلعها الجامع الموحي. أ هـ ﴿الظلال حـ ٦ صـ ٣٦٢٨ ـ ٣٦٣٠﴾