ذكروا في مناكب الأرض وجوهاً أحدها : قال صاحب "الكشاف" : المشي في مناكبها مثل لفرط التذليل، لأن المنكبين وملتقاهما من الغارب أرق شيء من البعير، وأبعده من إمكان المشي عليه، فإذا صار البعير بحيث يمكن المشي على منكبه، فقد صار نهاية في الانقياد والطاعة، فثبت أن قوله :﴿فامشوا فِى مَنَاكِبِهَا﴾ كناية عن كونها نهاية في الذلولية وثانيها : قول قتادة والضحاك وابن عباس : إن مناكب الأرض جبالها وآكامها، وسميت الجبال مناكب، لأن مناكب الإنسان شاخصة والجبال أيضاً شاخصة، والمعنى أني سهلت عليكم المشي في مناكبها، وهي أبعد أجزائها عن التذليل، فكيف الحال في سائر أجزائها وثالثها : أن مناكبها هي الطرق، والفجاج والأطراف والجوانب وهو قول الحسن ومجاهد والكلبي ومقاتل، ورواية عطاء عن ابن عباس، واختيار الفراء، وابن قتيبة قال : مناكبها جوانبها، ومنكبا الرجل جانباه، وهو كقوله تعالى :
﴿والله جَعَلَ لَكُمُ الأرض بِسَاطاً * لّتَسْلُكُواْ مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً﴾ [ نوح : ١٩، ٢٠ ] أما قوله :﴿وَكُلُواْ مِن رّزْقِهِ﴾ أي مما خلقه الله رزقاً لكم في الأرض :﴿وَإِلَيْهِ النشور﴾ يعني ينبغي أن يكون مكثكم في الأرض، وأكلكم من رزق الله مكث من يعلم أن مرجعه إلى الله، وأكل من يتيقن أن مصيره إلى الله، والمراد تحذيرهم عن الكفر والمعاصي في السر والجهر، ثم إنه تعالى بين أن بقاءهم مع هذه السلامة في الأرض إنما كان بفضل الله ورحمته، وأنه لو شاء لقلب الأمر عليهم، ولأمطر عليهم من سحاب القهر مطر الآفات.
فقال تقريراً لهذا المعنى :
أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (١٦)


الصفحة التالية
Icon