وقال ابن عطية :
﴿ إِنَّ الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بالغيب ﴾
ثم وصف تعالى أهل الإيمان، وهم ﴿ الذين يخشون ربهم ﴾، وقوله تعالى :﴿ بالغيب ﴾ يحتمل معنيين، أحدهما :﴿ بالغيب ﴾ الذي أخبروا به من الحشر والصراط والميزان والجنة والنار، فآمنوا بذلك، وخشوا ربهم فيه، ونحا إلى هذا قتادة والمعنى الثاني : أنهم يخشون ربهم إذا غابوا عن أعين الناس، أي في خلواتهم، ومنه تقول العرب : فلان سالم الغيب، أي لا يضر، فالمعنى يعملون بحسب الخشية في صلاتهم وعباداتهم، وانفرادهم، فالاحتمال الأول : مدح بالإخلاص والإيمان، والثاني : مدح بالأعمال الصالحة في الخلوات، وذلك أحرى أن يعملوها علانية، وقوله تعالى :﴿ وأسروا قولكم أو اجهروا به ﴾ مخاطبة لجميع الخلق.
قال ابن عباس : سببها أن المشركين قال بعضهم لبعض : أسروا قولكم لا يسمعكم إله محمد فالمعنى أن الأمر سواء عند الله لأنه يعلم ماهجس في الصدور دون أن ينطق به، فكيف إذاً ينطق به سراً أو جهراً، و﴿ ذات الصدور ﴾، ما فيها، وهذا كما قال : الذئب مغبوط بذي بطنه، وقد تقدم تفسيره غير ما مرة. وقوله تعالى :﴿ ألا يعلم من خلق ﴾ اختلف الناس في إعراب :﴿ من ﴾، فقال بعض النحاة : إعرابها رفع، كأنه قال : ألا يعلم الخالق خلقه؟ فالمفعول على هذا محذوف، وقال قوم : إعرابها نصب، كأنه قد لا يعلم الله من خلق؟ قال مكي : وتعلق أهل الزيغ بهذا التأويل لأنه يعطي أن الذين خلقهم الله هم العباد من حيث قال ﴿ من ﴾ فتخرج الأعمال عن ذلك، لأن المعتزلة تقول : العباد يخلقون أعمالهم.