وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ إِنَّ الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بالغيب ﴾
نظيره :﴿ وَخشِيَ الرحمن بالغيب ﴾ [ ق : ٣٣ ] وقد مضى الكلام فيه.
أي يخافون الله ويخافون عذابه الذي هو بالغيب ؛ وهو عذاب يوم القيامة.
﴿ لَهُم مَّغْفِرَةٌ ﴾ لذنوبهم ﴿ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾ وهو الجنة.
وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (١٣) أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٤)
قوله تعالى :﴿ وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ اجهروا بِهِ ﴾ اللفظ لفظ الأمر والمراد به الخبر ؛ يعني إن أخفيتم كلامكم في أمر محمد ﷺ أو جهرتم به ف ﴿ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور ﴾ يعني بما في القلوب من الخير والشر.
ابن عباس : نزلت في المشركين كانوا ينالون من النبيّ ﷺ فيخبره جبريل عليه السلام ؛ فقال بعضهم لبعض : أسِرّوا قولكم كي لا يسمع ربّ محمد ؛ فنزلت :﴿ وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ اجهروا بِهِ ﴾.
يعني : أسِرُّوا قولكم في أمر محمد صلى الله عليه وسلم.
وقيل في سائر الأقوال.
أوِ اجْهَرُوا به، أعلنوه.
﴿ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور ﴾ ذات الصدور ما فيها ؛ كما يسمَّى ولد المرأة وهو جنين "ذا بطنها".
ثم قال :﴿ أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ ﴾ يعني ألا يعلم السرّ من خلق السرّ.
يقول أنا خلقت السرّ في القلب أفلا أكون عالماً بما في قلوب العباد.
وقال أهل المعاني : إن شئت جعات "من" اسماً للخالق جل وعز ويكون المعنى ألا يعلن الخالق خلقه.
وإن شئت جعلته اسماً للمخلوق، والمعنى : ألا يعلم الله مَن خلق.
ولا بدّ أن يكون الخالق عالماً بما خلقه وما يخلقه.
قال ابن المسّيب : بينما رجل واقف بالليل في شجر كثير وقد عَصَفت الريح فوقع في نفس الرجل : أترى الله يعلم ما يسقط من هذا الورق؟ فنودي من جانب الغيْضة بصوت عظيم : ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير.


الصفحة التالية
Icon