حقيقة وإنما القصد به إلى جعله مثلاً لفرط التذليل سواء كانت المناكب مفسرة بالجبال أو غيرها وسواء كان ما قبل استعارة أو تشبيهاً ﴿ وَكُلُواْ مِن رّزْقِهِ ﴾ انتفعوا بما أنعم جل شأنه وكثيراً ما يعبر عن وجوه الانتفاع بالأكل لأنه الأهم الأعم وفي أنوار التنزيل أي التمسوا من نعم الله سبحانه وتعالى على أن الأكل مجاز عن الالتماس من قبيل ذكر الملزوم وإرادة اللازم قيل وهو المناسب لقوله تعالى امشوا وجوز بعض إبقاءه على ظاهره على أن ذلك من قبيل الاكتفاء وليس بذاك واستدل بالآية على ندب التسبب والكسب وفي الحديث أن الله تعالى يحب العبد المؤمن المحترف وهذا لا ينافي التوكل بل أخرج الحكيم الترمذي عن معاوية بن قرة قال مر عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه بقوم فقال : من أنتم فقالوا : المتوكلون قال : أنتم المتأكلون إنما المتوكل رجل ألقى حبه في بطن الأرض وتوكل على ربه عز وجل وتمام الكلام في هذا الفصل في محله والمشهور أن الأمر في الموضعين للإباحة وجوز كونه لمطلق الطلب لأن من المشي وما عطف عليه ما هو واجب كما لا يخفى ﴿ وَإِلَيْهِ النشور ﴾ أي المرجع بعد البعث لا إلى غيره عز وجل فبالغوا في شكر نعمه التي منها تذليل الأرض وتمكينكم منها وبث الرزق فيها ومما يقضي منه العجب جواز عود ضمير رزقه على الأرض باعتبار أنها مبدأ أو عنصر من العناصر أو ذلول وهو يستوي فيه المذكر والمؤنث والإضافة لأدنى ملابسة أي من الرزق الذي خلق عليها وكذا ضمير إليه أي وإلى الأرض نشوركم ورجوعكم فتخرجون من بيوتكم وقصوركم إلى قبوركم وجملة إليه النشور قيل عطف على الصلة بعد ملاحظة ما ترتب عليها وقيل حال مقدرة من ضمير المخاطبين المرفوع فتدبر.


الصفحة التالية
Icon