وفُرع على الخسف المتوقع المهدد به أن تمور الأرضُ تفريعَ الأثر على المؤثر لأن الخسف يحدث المَور، فإذا خسفت الأرض فاجأها المَور لا محالة، لكن نظم الكلام جرى على مَا يناسبُ جعل التهديد بمنزلة حادث وقع فلذلك جيء بعده بالحرف الدال على المفاجأة لأن حق المفاجأة أن تكون حاصلة زمن الحال لا الاستقبال كما في "مغني اللبيب" فإذا أريد تحقيق حصول الفعل المستقبل نُزل منزلة الواقع في الحال كقوله تعالى :﴿ ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون ﴾ [ الروم : ٢٥ ]، وإذا أريد استحضار حالة فعل حصل فيما مضى نُزل كذلك منزلة المشاهد في الحال كقوله تعالى :﴿ وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم إذا لهم مكر في آياتنا ﴾ [ يونس : ٢١ ]، فكان قوله :﴿ فإذا هي تمور ﴾ مؤذناً بتشبيه حالة الخسف المتوقع المهدد به بحالة خسف حصل بجامع التحقق كما قالوا في التعبير عن المستقبل بلفظ الماضي، وحُذف المركب الدال على الحالة المشبه بها ورمز إليه بما هو من آثاره ويتفرع عنه فكان في الكلام تمثيلية مَكْنيّة.
والمور : الارتجاج والاضطراب وتقدم في قوله تعالى :﴿ يوم تمور السماء موراً ﴾ في سورة الطور ( ٩ ).
أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (١٧)
﴿ أم ﴾ لإِضراب الانتقال من غرض إلى غرض، وهو انتقال من الاستفهام الإِنكاري التعجيبي إلى آخر مثله باعتبار اختلاف الأثرين الصادرين عن مفعول الفعل المستفهَم عنه اختلافاً يوجب تفاوتاً بين كنهي الفعلين وإن كانا متحدين في الغاية، فالاستفهام الأول إنكار على أمنهم الذي في السماء من أن يفعل فعلاً أرضياً.
والاستفهام الواقع مع ﴿ أم ﴾ إنكار عليهم أن يأمنوا من أن يرسل عليهم من السماء حاصب وذلك أمكن لمن في السماء وأشد وقعاً على أهل الأرض.
والكلام على قوله :﴿ من في السماء ﴾ تقدم في الآية قبلها ما يغني عنه.


الصفحة التالية
Icon