وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير : ورود ما افتتحت به هذه السورة من التنزيه وصفات التعالي إنما يكون عقيب تفصيل وإيراد عجائب من صنعه سبحانه كورود قوله تعالى " فتبارك الله أحسن الخالقين " عقيب تفصيل التقلب الإنساني من لدن خلقه من سلالة من طين إلى إنشائه خلقاً آخر وكذا كل ما ورد من هذا ما لم يرد أثناء أي قد جردت للتنزيه والإعلام بصفات التعالي والجلال.
ولما كان قد أوقع في آخر سورة التحريم ما فيه أعظم عبرة لمن تذكر، وأعلى آية لمن استبصر، من ذكر امرأتين كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين قد بعثهما الله تعالى رحمة لعباده واجتهدا في دعاء الخلق، فحرم الاستنارة بنورهما والعياذ بهداهما من لم يكن أحد من جنسهما أقرب إليهما منه ولا أكثر مشاهدة لما مدا به من الآيات وعظيم المعجزات، ومع ذلك فلم يغنيا عنهما من الله شيئاً، ثم أعقبت هذه العظة بما جعل في طرف منها ونقيض من حالها، وهو ذكر امرأة فرعون التي لم يغرها مرتكب صاحبها وعظيم جرأته مع شدة الوصلة واستمرار الألفة لما سبق لها في العلم القديم من السعادة وعظيم الرحمة فقالت :﴿رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة﴾ [ التحريم : ١١ ] وحصل في هاتين القصتين تقديم سبب رحمة حرم التمسك به أولى الناس في ظاهر الأمر وتقديم سبب امتحان عصم منه أقرب الناس إلى التورط فيه، ثم أعقب ذلك بقصة عريت عن مثل هذين السببين وانفصلت في مقدماتها عن تينك القصتين، وهو ذكر مريم ابنة عمران ليعلم العاقل حيث يضع الأسباب، وأن القلوب بيد العزيز الوهاب، أعقب تعالى ذلك.