ثم قال تعالى :﴿إِنَّهُ بِكُلّ شَىْء بَصِيرٌ﴾ وفيه وجهان الوجه الأول : المراد من البصير، كونه عالماً بالأشياء الدقيقة، كما يقال : فلان بصر في هذا الأمر، أي حذق والوجه الثاني : أن نجري اللفظ على ظاهره فنقول : إنه تعالى شيء، والله بكل شيء بصير، فيكون رائياً لنفسه ولجميع الموجودات، وهذا هو الذي يقوله أصحابنا من أنه تعالى يصح أن يكون مرئياً وأن كل الموجودات كذلك، فإن قيل : البصير إذا عدي بالباء يكون بمعنى العالم، يقال : فلان بصير بكذا إن كان عالماً به، قلنا : لا نسلم، فإنه يقال : إن الله سميع بالمسموعات، بصير بالمبصرات.
أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ (٢٠)
اعلم أن الكافرين كانوا يمتنعون عن الإيمان، ولا يلتفتون إلى دعوة الرسول عليه الصلاة والسلام، وكان تعويلهم على شيئين أحدهما : القوة التي كانت حاصلة لهم بسبب مالهم وجندهم والثاني : أنهم كانوا يقولون : هذه الأوثان، توصل إلينا جميع الخيرات، وتدفع عنا كل الآفات وقد أبطل الله عليهم كل واحد من هذين الوجهين، أما الأول فبقوله :﴿أَمَّنْ هذا الذى هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُمْ مّن دُونِ الرحمن﴾ وهذا نسق على قوله :﴿أَمْ أَمِنتُمْ مّن فِى السماء﴾ [ الملك : ١٧ ] والمعنى أم من يشار إليه من المجموع، ويقال : هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الله إن أرسل عذابه عليكم، ثم قال :﴿إِنِ الكافرون إِلاَّ فِى غُرُورٍ﴾ أي من الشيطان يغرهم بأن العذاب لا ينزل بهم.
أما الثاني فهو قوله :﴿أَمَّنْ هذا الذى يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ ﴾.