ثم كرّر سبحانه التهديد لهم بوجه آخر، فقال :﴿ أَمْ أَمِنتُمْ مّن فِى السماء أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصبا ﴾ أي : حجارة من السماء، كما أرسلها على قوم لوط وأصحاب الفيل، وقيل : سحاب فيها حجارة، وقيل : ريح فيها حجارة ﴿ فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ ﴾ أي : إنذاري إذا عاينتم العذاب، ولا ينفعكم هذا العلم، وقيل : النذير هنا محمد، قاله عطاء، والضحاك.
والمعنى : ستعلمون رسولي وصدقه، والأوّل أولى.
والكلام في :﴿ أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصبا ﴾ كالكلام في :﴿ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأرض ﴾ فهو : إما بدل اشتمال، أو بتقدير من ﴿ وَلَقَدْ كَذَّبَ الذين مِن قَبْلِهِمْ ﴾ أي : الذين قبل كفار مكة من كفار الأمم الماضية.
كقوم نوح، وعاد، وثمود، وقوم لوط، وأصحاب الأيكة، وأصحاب الرس، وقوم فرعون ﴿ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ ﴾ أي : فكيف كان إنكاري عليهم بما أصبتهم به من العذاب الفظيع.
﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطير فَوْقَهُمْ صافات ﴾ الهمزة للاستفهام، والواو للعطف على مقدّر، أي : أغفلوا ولم ينظروا، ومعنى :﴿ صافات ﴾ أنها صافة لأجنحتها في الهواء، وتبسيطها عند طيرانها ﴿ وَيَقْبِضْنَ ﴾ أي : يضممن أجنحتهنّ.
قال النحاس : يقال للطائر إذا بسط جناحه : صافّ، وإذا ضمها : قابض كأنه يقبضها، وهذا معنى الطيران، وهو بسط الجناح، وقبضه بعد البسط، ومنه قول أبي خراش :
يبادر جنح الليل فهو مزايل... تحت الجناح بالتبسط والقبض
وإنما قال :﴿ وَيَقْبِضْنَ ﴾ ولم يقل " قابضات "، كما قال صافات ؛ لأن القبض يتجدد تارة فتارة، وأما البسط فهو الأصل، كذا قيل.
وقيل : إن معنى ﴿ وَيَقْبِضْنَ ﴾ : قبضهنّ لأجنحتهنّ عند الوقوف من الطيران، لا قبضها في حال الطيران، وجملة ﴿ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرحمن ﴾ في محل نصب على الحال من فاعل يقبضن، أو مستأنفة ؛ لبيان كمال قدرة الله سبحانه.