وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً على وَجْهِهِ ﴾
ضرب الله مثلاً للمؤمن والكافر ﴿ مُكِبّاً ﴾ أي منكِّساً رأسه لا ينظر أمامه ولا يمينَه ولا شماله ؛ فهو لا يأمن من العثور والانكباب على وجهه.
كمن يمشي سوِيًّا معتدلاً ناظراً ما بين يديه وعن يمينه وعن شماله.
قال ابن عباس : هذا في الدنيا ؛ ويجوز أن يريد به الأعمى الذي لا يهتدي إلى الطريق فيعتسف ؛ فلا يزال ينكبّ على وجهه.
وأنه ليس كالرجل السوِيّ الصحيح البصير الماشي في الطريق المهتدي له.
وقال قتادة : هو الكافر أكبّ على معاصي الله في الدنيا فحشره الله يوم القيامة على وجهه.
وقال ابن عباس والكَلْبي : عَنَى بالذي يمشي مُكِبًّا على وجهه أبا جهل، وبالذي يمشي سوِيًّا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم.
وقيل أبو بكر.
وقيل حمزة.
وقيل عَمّار ابن ياسِر ؛ قاله عكرمة.
وقيل : هو عام في الكافر والمؤمن ؛ أي أن الكافر لا يدري أعلى حقّ هو أم على باطل.
أي أهذا الكافر أهدى أو المسلم الذي يمشي سَوِيًّا معتدلاً يُبصر للطريق وهو ﴿ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ وهو الإِسلام.
ويقال : أكبّ الرجل على وجهه ؛ فيما لا يتعدّى بالألف.
فإذا تعدى قيل : كبّه الله لوجهه ؛ بغير ألف.
قوله تعالى :﴿ قُلْ هُوَ الذي أَنشَأَكُمْ ﴾ أمر نبيه أن يعرّفهم قبح شركهم مع اعترافهم بأن الله خلقهم.
﴿ وَجَعَلَ لَكُمُ السمع والأبصار والأفئدة ﴾ يعني القلوب ﴿ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ ﴾ أي لا تشكرون هذه النِّعم، ولا توحِّدون الله تعالى.
تقول : قلّما أفعل كذا ؛ أي لا أفعله.
قوله تعالى :﴿ قُلْ هُوَ الذي ذَرَأَكُمْ فِي الأرض ﴾ أي خلقكم في الأرض ؛ قاله ابن عباس.
وقيل : نشركم فيها وفرّقكم على ظهرها ؛ قاله ابن شجرة.
﴿ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ حتى يجازِي كُلاًّ بعمله. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ١٨ صـ ﴾