واختلف أهل التأويل في سبب قوله :﴿ أفمن يمشي مكباً ﴾ الآية، فقال جماعة من رواة الأسباب : نزلت مثلاً لأبي جهل بن هشام وحمزة بن عبد المطلب، وقال ابن عباس وابن الكلبي وغيره : نزلت مثلا لأبي جهل بن هشام ومحمد ﷺ، وقال ابن عباس أيضاً ومجاهد والضحاك : نزلت مثالاً للمؤمنين والكافرين على العموم، وقال قتادة : نزلت مخبرة عن حال القيامة، وإن الكفار يمشون فيها على وجوههم، والمؤمنون يمشون على استقامة، وقيل للنبي : كيف يمشي الكافر على وجهه؟ قال :" إن الذي أمشاه في الدنيا على رجله قادر على أن يمشيه في الآخرة على وجهه ".
قال القاضي أبو محمد : فوقف الكفار على هاتين الحالتين حينئذ، ففي الأقوال الثلاثة الأول المشي مجاز يتخيل، وفي القول الرابع هو حقيقة يقع يوم القيامة ويقال : أكب الرجل، إذا رد وجهه إلى الأرض، وكبه : غبره، قال عليه السلام :" وهل يكب الناس في النار إلا حصائد ألسنتهم "، فهذا الفعل خلاف للباب : أفعل لا يتعدى وفعل يتعدى، ونظيره قشعت الريح فأقشع، و﴿ أهدى ﴾ في هذه الآية أفعل من الهدى، وقرأ طلحة :" أمَن يمشي " بتخفيف الميم، وإفراد ﴿ السمع ﴾ لأنه اسم جنس يقع للكثير و﴿ قليلاً ﴾ نصب بفعل مضمر، و﴿ ما ﴾ : مصدرية، وهي في موضع رفع، وقوله :﴿ قليلاً ما تشكرون ﴾ يقتضي ظاهره أنهم يشكرون قليلاً، فهذا إما أن يريد به ما عسى أن يكون للكافر من شكر وهو قليل غير نافع، وإما أن يريد جملة فعبر بالقلة كما تقول العرب : هذه أرض قل ما تنبت كذا، وهي لا تنبته بتة، ومن شكر رسول الله ﷺ على هذه النعمة أنه كان يقول في سجوده :" سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره "، و" ذرأكم " معناه : بثكم والحشر المشار إليه، هو بعث القيامة، وإليه أشار بقوله :﴿ هذا الوعد ﴾ فأخبر تعالى أنهم يستعجلون أمر القيامة، ويوقفون على الصدق، في الإخبار بذلك.