وكان عليه السلام تنام عيناه ولا ينام قلبه انتظارا للوحي، وإذا نام نفخ ولا يغط وإذا رأى في منامه ما يكره قال : هو الله لا شريك له، وإذا أخذ مضجعه قال : رب قني عذابك يوم تبعث عبادك، وإذا استيقظ قال : الحمد الله الّذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور. وكان لا يأكل الصدقة، ويأكل الهدية ويكافئ عليها، ولا يتأنق في مأكل، ويعصب على بطنه الحجر من الجوع! هذا وقد آتاه الله مفاتح خزائن الأرض فلم يقبلها، بل زهد في الدنيا، واختار عليها الله والدار الآخرة.
وأكل الخبز بالخلّ وقال نعم الإدام الخلّ، وأكل لحم الدجاج ولحم الحباري، وكان يأكل ما وجد، ولا يرد ما حضر، ولا يتكلف ما لم يحضر، ولا يتورع عن مطعم حلال، إن وجد تمرا دون خبز أكله، وإن وجد شواء أكله وإن وجد خبز برّ أو شعير أكله، وإن وجد حلوى أو عسلا أكله، وكان أحب الشراب إليه الحلو البارد، وكان له من أصحابه من يبرد الماء وقال للهيثم بن التيهان [١] كأنك علمت حبنا اللحم، وكان لا يأكل متكئا، ولم يأكل على خوان، ولم يشبع من خبز برّ ثلاثا تباعا حتى لقي الله عز وجل، وكان يفعل ذلك إيثارا على نفسه، لا فقرا ولا بخلا.
وكان يحضر الوليمة إذا دعي إليها، ويجيب دعوة العبد والحر، ويقبل الهدايا ولو أنها جرعة لبن أو فخذ أرنب، وكان يحب من المأكل الدباء وذراع الشاة، وكان يأكل بأصابعه الثلاث ويلعقهن، وكان منديله باطن قدميه، ويأكل خبز الشعير بالتمر، وأكل البطيخ بالرطب، والقثاء بالرطب، والتمر بالزبد، وكان يحب الحلوى والعسل، ويشرب قاعدا، وربما شرب قائما، وكان يتنفس في الإناء ثلاثا، مبينا للإناء عن فمه، ويبدأ بمن عن يمينه إذا سقاه، وشرب لبنا وقال : من أطعمه الله

_
[١] هو مالك بن التيهان، واسم التيهان أيضا : مالك بن عيتك بن عمرو بن الأعلم بن عامر بن زعون، ابن جشم بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك الأنصاري حليف بني عبد الأشهل، كان أحد النقباء ليلة العقبة ثم شهد بدرا، واختلف في وقت وفاته، فأصح ما قيل فيه : إنه شهد مع عليّ صفّين، وقتل فيها رحمه الله، يقول السهيليّ :«و أحسب ابن إسحاق وابن هشام تركا نسبه على جلالته في الأنصار، وشهوده هذه المشاهد كلها مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لا خلاف فيه» وقد ضاف الهيثم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، في منزله ومعه أبو بكر وعمر فذبح لهم عناقا وأتاهم بقنو من رطب (الروض الأنف للسهيلي) ج ٢ ص ١٩٥.


الصفحة التالية
Icon