وخرّجه النّسائي أيضا وفي حديث لأبي داود من طريق فليح عن هلال بن علي عن عطاء بن يسار عن معاوية بن الحكم السلمي قال : لما قدمت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علمني أمورا من أمور الإسلام، فكان فيما علّمت : أن قيل لي : إذا عطست فاحمد الله، وإذا عطس العاطس فحمد الله فقل : يرحمك الله، قال : فبينما أنا قائم مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الصلاة، إذا عطس رجل فحمد الله، فقلت : يرحمك الله - رافعا بها صوتي - فرماني الناس بأبصارهم حتى احتملني ذلك، فقلت : ما لكم تنظرون إلى بأعين شزر ؟ قال : فسبّحوا، فلما قضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صلاته قال :
من المتكلم ؟ قيل : هذا الأعرابي، فدعاني رسول الله، فقال : إنما الصلاة لقراءة القرآن وذكر الله عز وجل، فإذا كنت في الصلاة فليكن ذلك شأنك، فما رأيت معلما قط أرفق من رسول الله. وخرّج البخاري ومسلم والنسائي من حديث إسماعيل بن إبراهيم بن عليه قال :
حدثنا أيوب عن أبي قلابة عن مالك بن الحويرث قال : أتينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونحن شببة متقاربون فأقمنا عنده عشرين ليلة، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رحيما رفيقا، فظن أنّا قد اشتقنا إلى أهلنا فسألنا عن من تركنا من أهلنا فأخبرناه، فقال : ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم، وعلموهم وبروهم، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم ثم ليؤمكم أكبركم، اللفظ لمسلم.
ولفظ البخاري : عن أبي قلابة عن أبي سليمان مالك بن الحويرث قال : أتينا
[ ()] وبين يديه غلام فيأمره بأن يخط في الرمل خطوطا كثيرة وهو يقول : ابني عيان أسرعا البيان، ثم يأمره أن يمحو منها اثنين اثنين، ثم ينظر إلى آخر ما بقي من تلك الخطوط، فإن كان الباقي منها زوجا فهو دليل الفلح والظفر. وإن كان فردا فهو دليل الخيبة واليأس.
وقوله :«فمن وافق خطه» فذلك يشبه أن يكون أراد به الزجر عنه وترك التعاطي له إذا كانوا لا يصادفون معنى خط ذلك النبي لأنه خطه كان علما لنبوته» وقد انقطعت نبوته فذهبت معالمها.
قوله :«آسف كما يأسفون» معناه : أغضب كما يغضبون، ومن هذا قوله تعالى : فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ ٤٣ : ٥٥.
وأما قول النبي صلّى الله عليه وسلّم : أعتقها فإنّها مؤمنة، ولم يكن ظهر له من إيمانها أكثر من قوله حين سألها :
أين الله، فقالت : في السماء وسألها : من أنا فقالت : رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فإن هذا السؤال عن أمارة الإيمان، وسمة أهله، وليس بسؤال عن أصل الإيمان وصفته وحقيقته، ولو أن كافرا يريد الانتقال من الكفر إلى دين الإسلام فوصف من الإيمان هذا القدر الّذي تكلمت به الجارية لم يصر به مسلما حتى يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ويتبرأ من دينه الّذي كان يعتقده. (معالم السنن).