عاده.
وبلغ من مداراة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه وجد قتيلا من أصحابه بين اليهود فلم يحف عليهم، بل حملهم على مرّ الحق، وجاد بأن وداه بمائة من الإبل وإن بأصحابه لحاجة إلى بعير واحد.
وخرّج مسلم من حديث مالك قال : حدثني أبو ليلي بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سهل عن سهل عن أبي خنتمة أنه أخبر عن رجال من كبراء قومه أن عبد الله بن سهل ومحيصة خرجا إلى خيبر من جهد أصابهم، فأتي محيصة فأخبر أن عبد الله بن سهل قد قتل وطرح في فقير أو عين، فأتي يهود فقال : أنتم والله قتلتموه، قالوا : والله ما قتلناه، فأقبل حتى قدم على قوم وذكر لهم ذلك، ثم أقبل هو وأخوه حويصة - وهو أكبر منه - وعبد الرحمن بن سهل، فذهب محيصة ليتكلم - وهو الّذي بخيبر - فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمحيصة : كبّر كبّر (يريد السن) فتكلم حويصة ثم تكلم محيصة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أما أن تدوا [١] صاحبكم وإما أن تؤذنوا بحرب، فكتب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في ذلك، فكتبوا : إنا والله ما قتلناه، فقال رسول الله لحويصة ومحيصة وعبد الرحمن : أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم، قالوا : لا، قال : فتحلف لكم يهود ؟ قالوا : ليسوا بمسلمين. فوداه [٢] رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من عنده فبعث إليهم مائة ناقة حتى أدخلت الدار، فقال سهل : فقد ركضتني منها ناقة حمراء. وخرّجه في كتاب الأحكام، ولم يقل حمراء. وخرّجه أبو داود في باب القتل بالقسامة [٣]. وخرّجه النسائي في كتاب الأحكام وفي القسامة [٣]. وكان من حسن مداراته صلّى الله عليه وسلّم أن لا يذم طعاما ولا ينه خادما كما تقدم بطرقه.
وخرّج الحاكم من حديث يزيد بن هارون : أخبرنا جرير بن حازم قال : سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الله بن أبي يعقوب يحدث عن عبد الله بن شداد بن الهاد عن أبيه قال : خرج علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في إحدى صلاتي النهار - الظهر أو العصر -
[١] أي تدفعوا ديته لأوليائه.
[٢] وداه : دفع ديته.
[٣] القسامة :- بفتح قاف وتخفيف سين مهملة - مأخوذة من القسم، وهي اليمين، وهي في عرف الشرع حلف يكون عند التهمة بالقتل، أو هي مأخوذة من قسمة الأيمان على الحالفين (سنن النسائي بحاشية السندي وشرح السيوطي)، ج ٨ ص ٢. كتاب القسامة.