فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ (٣٠)
أي يلوم بعضهم بعضاً يقول : هذا لهذا أنت أشرت علينا بهذا الرأي، ويقول : ذاك لهذا أنت خوفتنا بالفقر، ويقول الثالث لغيره : أنت الذي رغبتني في جمع المال فهذا هو التلاوم.
ثم نادوا على أنفسهم بالويل :
قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ (٣١)
والمراد أنهم استعظموا جرمهم.
ثم قالوا عند ذلك :
﴿عسى رَبُّنَا أَن يُبْدِلَنَا خَيْراً مّنْهَا﴾ قرىء ﴿يُبْدِلَنَا﴾ بالتخفيف والتشديد ﴿إِنَّا إلى رَبّنَا راغبون﴾ طالبون منه الخير راجون لعفوه، واختلف العلماء ههنا، فمنهم من قال إن ذلك كان توبة منهم، وتوقف بعضهم في ذلك قالوا : لأن هذا الكلام يحتمل أنهم إنما قالوه رغبة منهم في الدنيا.
ثم قال تعالى :﴿كَذَلِكَ العذاب﴾ يعني كما ذكرنا من إحراقها بالنار، وههنا تم الكلام في قصة أصحاب الجنة.
واعلم أن المقصود من ذكر هذه القصة أمران أحدهما : أنه تعالى قال :﴿أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ * إِذَا تتلى عَلَيْهِ ءاياتنا قَالَ أساطير الأولين﴾ [ القلم : ١٤، ١٥ ] والمعنى : لأجل أن أعطاه المال والبنين كفر بالله كلا : بل الله تعالى إنما أعطاه ذلك للابتلاء، فإذا صرفه إلى الكفر دمر الله عليه بدليل أن أصحاب الجنة لما أتوا بهذا القدر اليسير من المعصية دمر الله على جنتهم فكيف يكون الحال في حق من عاند الرسول وأصر على الكفر والمعصية والثاني : أن أصحاب الجنة خرجوا لينتفعوا بالجنة ويمنعوا الفقراء عنها فقلب الله عليهم القضية فكذا أهل مكة لما خرجوا إلى بد حلفوا على أن يقتلوا محمداً وأصحابه، وإذا رجعوا إلى مكة طافوا بالكعبة وشربوا الخمور، فأخلف الله ظنهم فقتلوا وأسروا كأهل هذه الجنة.
ثم إنه لما خوف الكفار بعذاب الدنيا قال :﴿وَلَعَذَابُ الآخرة أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ﴾ وهو ظاهر لا حاجة به إلى التفسير. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٣٠ صـ ٧٩ ـ ٨٠﴾


الصفحة التالية
Icon