وقال الشعبي : يعني قادرين على المساكين ﴿ فَلَمَّا رَأَوْهَا ﴾ أي : لما رأوا جنتهم، وشاهدوا ما قد حلّ بها من الآفة التي أذهبت ما فيها ﴿ قَالُواْ إِنَّا لَضَالُّونَ ﴾ أي : قال بعضهم لبعض : قد ضللنا طريق جنتنا، وليست هذه.
ثم لما تأملوا وعلموا أنها جنتهم، وأن الله سبحانه قد عاقبهم بإذهاب ما فيها من الثمر والزرع، قالوا :﴿ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ ﴾ أي : حرمنا جنتنا بسبب ما وقع منا من العزم على منع المساكين من خيرها، فأضربوا عن قولهم الأوّل إلى هذا القول، وقيل : معنى قولهم :﴿ إِنَّا لَضَالُّونَ ﴾ أنهم ضلوا عن الصواب بما وقع منهم.
﴿ قَالَ أَوْسَطُهُمْ ﴾ أي : أمثلهم وأعقلهم وخيرهم ﴿ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ لَوْلاَ تُسَبّحُونَ ﴾ أي : هلا تسبحون يعني : تستثنون، وسمي الاستثناء تسبيحاً ؛ لأنه تعظيم لله وإقرار به، وهذا يدلّ على أن أوسطهم كان أمرهم بالاستثناء فلم يطيعوه، وقال مجاهد، وأبو صالح، وغيرهما : كان استثناؤهم تسبيحاً.
قال النحاس : أصل التسبيح التنزيه لله عزّ وجلّ، فجعل التسبيح في موضع إن شاء الله، وقيل المعنى : هلا تستغفرون الله من فعلكم، وتتوبون إليه من هذه النية التي عزمتم عليها، وكان أوسطهم قد قال لهم ذلك، فلما قال لهم ذلك بعد مشاهدتهم للجنة على تلك الصفة قالوا :﴿ سبحان رَبّنَا إِنَّا كُنَّا ظالمين ﴾ أي : تنزيهاً له عن أن يكون ظالماً فيما صنع بجنتنا، فإن ذلك بسبب ذنبنا الذي فعلناه.
وقيل : معنى تسبيحهم الاستغفار أي : نستغفر ربنا من ذنبنا إنا كنا ظالمين لأنفسنا في منعنا للمساكين.
﴿ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يتلاومون ﴾ أي : يلوم بعضهم بعضاً في منعهم للمساكين وعزمهم على ذلك، ثم نادوا على أنفسهم بالويل حيث قالوا :﴿ ياويلنا إِنَّا كُنَّا طاغين ﴾ أي : عاصين متجاوزين حدود الله بمنع الفقراء وترك الاستثناء.