وقال ابن عاشور :
﴿ قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ (٢٨)
و{ أوسطهم ﴾
أفضلهم وأقربهم إلى الخير وهو أحد الإِخوة الثلاثة.
والوسط : يطلق على الأخْيَر الأفضللِ، قال تعالى :﴿ وكذلك جعلناكم أمة وسَطاً ﴾ [ البقرة : ١٤٣ ]، وقال :﴿ حافظوا على الصلوات والصلاة الوُسطى ﴾ [ البقرة : ٢٣٨ ] ويقال هو من سِطَة قومه، وأعطني من سِطَة مالِك.
وحكي هذا القول بدون عاطف لأنه قول في مَجرى المحاورة جواباً عن قولهم ﴿ بل نحن محرومون ﴾ قاله لهم على وجه توقيفهم على تصويب رأيه وخَطل رأيهم.
والاستفهام تقريري و ﴿ لولا ﴾ حرف تحضيض.
والمراد بـ ﴿ تسبحون ﴾ تنزيه الله عن أن يُعصى أمره في شأن إعطاء زكاة ثمارهم.
وكان جوابهم يتضمن إقراراً بأنه وعظهم فعصوه ودلوا على ذلك بالتسبيح حين ندمِهم على عدم الأخذ بنصيحته فقالوا :﴿ سبحان ربّنا إنا كنا ظالمين ﴾ أرادوا إجابة تقريره بإقرار بتسبيح الله عن أن يُعصى أمره في إعطاء حق المساكين فإن من أصول التوبة تدارك ما يمكن تداركه، واعترافهم بظلم المساكين من أصول التوبة لأنه خبر مستعمل في التندم، والتسبيح مقدمة الاستغفار من الذنب قال تعالى:
﴿ فسبح بحمد ربّك واستغفره إنه كان تواباً ﴾ [ النصر : ٣ ].
وجملة ﴿ إنا كنا ظالمين ﴾ إقرار بالذنب، والتأكيد لتحقيق الإِقرار والاهتمام به.
ويفيد حرفُ ( إنّ ) مع ذلك تعليلاً للتسبيح الذي قبله.
وحذف مفعول ﴿ ظالمين ﴾ ليعم ظلمهم أنفسهم بما جرَّوه على أنفسهم من سلب النعمة، وظلم المساكين بمنَعهم من حقهم فى المال.
وجرت حكاية جوابهم على طريقة المحاورة فلم تعطف وهي الطريقة التي نبّهنا عليها عند قوله تعالى :﴿ قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ﴾ في سورة البقرة ( ٣٠ ).


الصفحة التالية
Icon