قال الجبائي : دلت الآية على أن المجرم لا يكون ألبتة في الجنة، لأنه تعالى أنكر حصول التسوية بينهما، ولو حصلا في الجنة، لحصلت التسوية بينهما في الثواب، بل لعله يكون ثواب المجرم أزيد من ثواب المسلم إذا كان المجرم أطول عمراً من المسلم، وكانت طاعاته غير محبطة الجواب : هذا ضعيف لأنا بينا أن الآية لا تمنع من حصول التسوية في شيء أصلاً بل تمنع من حصول التسوية في درجة الثواب، ولعلهما يستويان فيه بل يكون ثواب المسلم الذي لم يعص أكثر من ثواب من عصى، على أنا نقول : لم لا يجوز أن يكون المراد من المجرمين هم الكفار الذين حكى الله عنهم هذه الواقعة وذلك لأن حمل الجمع المحلى بالألف واللام على المعهود السابق مشهور في اللغة والعرف.
المسألة الثالثة :
أن الله تعالى استنكر التسوية بين المسلمين والمجرمين في الثواب، فدل هذا على أنه يقبح عقلاً ما يحكى عن أهل السنة أنه يجوز أن يدخل الكفار في الجنة والمطيعين في النار والجواب : أنه تعالى استنكر ذلك بحكم الفضل والإحسان، لا أن ذلك بسبب أن أحداً يستحق عليه شيئاً.
واعلم أنه تعالى لما قال على سبيل الاستبعاد :﴿أَفَنَجْعَلُ المسلمين كالمجرمين﴾ قرر هذا الاستبعاد بأن قال على طريقة الالتفات :﴿مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ هذا الحكم المعوج ثم قال :
أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (٣٧) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ (٣٨)
وهو كقوله تعالى :﴿أَمْ لَكُمْ سلطان مُّبِينٌ فَأْتُواْ بكتابكم﴾ [ الصافات : ١٥٦ ] والأصل تدرسون أن لكم ما تتخيرون بفتح أن لأنه مدرس، فلما جاءت اللام كسرت، وتخير الشيء واختاره، أي أخذ خيره ونحوه تنخله وانتخله إذا أخذ منخوله.
أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ (٣٩)
وفيه مسألتان :
المسألة الأولى :


الصفحة التالية
Icon