ثم قال ابن قتيبة أصل هذا أن الرجل إذاوقع في أمر عظيم يحتاج إلى الجد فيه، يشمر عن ساقه، فلا جرم يقال في موضع الشدة : كشف عن ساقه، واعلم أن هذا اعتراف من أهل اللغة بأن استعمال الساق في الشدة مجاز، وأجمع العلماء على أنه لا يجوز صرف الكلام إلى المجاز إلا بعد تعذر حمله على الحقيقة، فإذا أقمنا الدلائل القاطعة على أنه تعالى، يستحيل أن يكون جسماً، فحينئذ يجب صرف اللفظ إلى المجاز، واعلم أن صاحب "الكشاف" أورد هذا التأويل في معرض آخر، فقال : الكشف عن الساق مثل في شدة الأمر، فمعنى قوله :﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ﴾ يوم يشتد الأمر ويتفاقم، ولا كشف ثم، ولا ساق، كما تقول للأقطع الشحيح : يده مغلولة، ولا يد ثم ولا غل وإنما هو مثل في البخل، ثم أخذ يعظم علم البيان ويقول لولاه : لما وقفنا على هذه الأسرار وأقول : إما أن يدعى أنه صرف اللفظ عن ظاهره بغير دليل، أو يقول : إنه لا يجوز ذلك إلا بعد امتناع حمله على الحقيقة، والأول باطل بإجماع المسلمين، ولأنا إن جوزنا ذلك انفتحت أبواب تأويلات الفلاسفة في أمر المعاد فإنهم يقولون في قوله :
﴿جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار﴾ [ البقرة : ٢٥ ] ليس هناك لا أنهار ولا أشجار، وإنما هو مثل للذة والسعادة، ويقولون في قوله :﴿اركعوا واسجدوا﴾ [ الحج : ٧٧ ] ليس هناك لا سجود ولا ركوع.