ولما لم تعرف عامة أهل مكة نعمة الله عليهم به ـ ﷺ ـ، أخرجه الله عنهم وأكرمه بأنصار جعله أكرم الكرامات لهم، وكل من سمع به ولم يؤمن فهو كذلك، تكون أعماله كهذه الجنة يظنها شيئاً فتخونه أحوج ما يكون إليها، أو كان ابتلاؤنا لهم بالقحط الذي دعا عليهم به رسول الله ـ ﷺ ـ حتى أكلوا الجيف فما تابوا كما تاب ﴿كما بلونا﴾ أي اختبرنا بأن عاملنا معاملة المختبر مع علمنا بالظاهر والباطن، وحاصله أنه استخرج ما في البواطن ليعلمه العباد في عالم الشهادة كما يعلمه الخالق في عالم الغيب، أو أنه كناية عن الجزاء ﴿أصحاب الجنة﴾ عرفها لأنها كانت شهيرة عندهم وهي بستان عظيم كان دون صنعاء بفرسخين، يقال له الضروان، يطؤه أهل الطريق، كان صاحبه ينادي الفقراء وقت الصرام، ويترك لهم ما أخطأ المنجل أو ألقته الريح أو بعد عن البساط الذي يبسط تحت النخلة، فلما مات شح بنوه بذلك فحلفوا على أن يجذوها قبل الشمس حتى لا يأتي الفقراء إلا بعد فراغهم، وذلك معنى قوله تعالى :﴿إذ﴾ أي حين ﴿أقسموا﴾ ودل على تأكيد القسم فقال :﴿ليصرمنها﴾ عبر به عن الجذاذ بدلالته على القطع البائن المعزوم عليه المستأصل المانع للفقراء ليكون قطعاً من كل وجه، من الصريم - لعود يعرض على فم الجدي لئلا يرضع، ومن الصرماء : المفازة لا ماء بها، والناقة القليلة اللبن ﴿مصبحين﴾ أي داخلين في أول وقت الصباح ﴿ولا﴾ أي والحال أنهم لا ﴿يستثنون﴾ أي لا يطلبون ولا يوجدون ثنياً - أي عوداً - إلى ما قبل اليمين بقولهم " إن شاء الله " أو غير ذلك من الألفاظ الموجبة لأن يكون شيء من جنتهم مطلقاً غير ممنوع، وسمي ذلك استثناء لأنه إخراج لشيء يكون حكمه غير المذكور أولاً، وكان الأصل فيه : إلا أن يشاء الله، وألحق به إن شاء الله لرجوعه إليه في اتحاد الحكم ﴿فطاف﴾ أي فتسبب عن عملهم هذا الطامح أن طاف ﴿عليها﴾ أي جنتهم ﴿طائف﴾ أي عذاب مهلك محيط