الثانية : قال بعض العلماء : على من حصد زَرْعاً أوجَدّ ثمرة أن يواسي منها من حضره ؛ وذلك معنى قوله :﴿ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ﴾ [ الأنعام : ١٤١ ] وأنه غير الزكاة على ما تقدّم في "الأنعام" بيانه.
وقال بعضهم : وعليه ترك ما أخطأه الحصّادون.
وكان بعض العباد يتحرّون أقواتهم من هذا.
وروي أنه نُهي عن الحصاد بالليل.
فقيل : إنه لِما ينقطع عن المساكين في ذلك من الرفق.
وتأوّل من قال هذا الآية التي في سورة "نا وَالْقَلَمِ".
وقيل : إنما نهى عن ذلك خشية الحيّات وهوامّ الأرض.
قلت : الأوّل أصح ؛ والثاني حسن.
وإنما قلنا الأول أصح لأن العقوبة كانت بسبب ما أرادوه من منع المساكين كما ذكر الله تعالى.
روى أسباط عن السُّدِّي قال : كان قوم باليمن وكان أبوهم رجلاً صالحاً، وكان إذا بلغ ثمارهُ أتاه المساكين فلم يمنعهم من دخولها وأن يأكلوا منها ويتزوّدوا ؛ فلما مات قال بَنُوه بعضهم لبعض : عَلاَمَ نُعطي أموالنا هؤلاء المساكين! تعالَوْا فلْنُدْلج فنصْر منّها قبل أن يعلم المساكين ؛ ولم يستثنوا ؛ فانطلقوا وبعضهم يقول لبعض خَفْتاً : لا يدخلنّها اليوم عليكم مسكين ؛ فذلك قوله تعالى :﴿ إِذْ أَقْسَمُواْ ﴾ يعني حلفوا فيما بينهم ﴿ لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ ﴾ يعني لنجدنها وقت الصبح قبل أن تخرج المساكين ؛ ولا يستثنون ؛ يعني لم يقولوا إن شاء الله.
وقال ابن عباس : كانت تلك الجنة دون صنعاء بفرسخين، غرسها رجل من أهل الصلاح وكان له ثلاثة بنين، وكان للمساكين كل ما تعدّاه المِنْجَل فلم يجذّه من الكَرْم، فإذا طُرح على البساط فكل شيء سقط عن البساط فهو أيضاً للمساكين، فإذا حصدوا زرعهم فكل شيء تعدّاه المِنْجَل فهو للمساكين، فإذا دَرَسُوا كان لهم كل شيء انتثر ؛ فكان أبوهم يتصدّق منها على المساكين، وكان يعيش في ذلك في حياة أبيهم اليتامى والأراملُ والمساكين، فلما مات أبوهم فعلوا ما ذكر الله عنهم.