واعلم أن المقدمة الأولى ضعيفة، وذلك لأن الإنسان إما أن يكون عبارة عن النفس أو عن البدن، فإن كان الأول لم يمتنع اختلاف النفوس في جواهرها وماهياتها، وإذا كان كذلك لم يمتنع أيضاً اختلافها في لوازمها وآثارها، فلا يستبعد أن يكون لبعض النفوس خاصية في التأثير، وإن كان الثاني لم يمتنع أيضاً أن يكون مزاج إنسان واقعاً على وجه مخصوص يكون له أثر خاص، وبالجملة فالاحتمال العقلي قائم، وليس في بطلانه شبهة فضلاً عن حجة، والدلائل السمعية ناطقة بذلك، كما يروى أنه عليه الصلاة والسلام قال :" العين حق " وقال :" العين تدخل الرجل القبر والجمل القدر "
والمقام الثاني : من الناس من فسر الآية بهذا المعنى قالوا : كانت العين في بني أسد، وكان الرجل منهم يتجوع ثلاثة أيام فلا يمر به شيء، فيقول فيه : لم أر كاليوم مثله إلا عانه، فالتمس الكفار من بعض من كانت له هذه الصفة أن يقول في رسول الله ﷺ ذلك، فعصمه الله تعالى، وطعن الجبائي في هذا التأويل وقال : الإصابة بالعين تنشأ عن استحسان الشيء، والقوم ما كانوا ينظرون إلى الرسول عليه السلام على هذا الوجه، بل كانوا يمقتونه ويبغضونه، والنظر على هذا الوجه لا يقتضي الإصابة بالعين.
واعلم أن هذا السؤال ضعيف، لأنهم وإن كانوا يبغضونه من حيث الدين لعلهم كانوا يستحسنون فصاحته، وإيراده للدلائل.
وعن الحسن : دواء الإصابة بالعين قراءة هذه الآية.
ثم قال تعالى :﴿وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ﴾ وهو على ما افتتح به السورة.